خبر

شركة اتصالات خليوية توقف نشاطها التجاري في السوق السورية

السياسي -وكالات

أفضى قرار انسحاب إحدى كبرى شركات قطاع الاتصال في سوريا إلى حالة من الذهول عن دوافع إحدى الشركتين اللتين تحتكران فضاء الهواتف النقالة، وعزمها الهجرة خارج حدود البلاد بعدما استحوذت منذ ما يقارب العقدين على تلك الخدمة من دون منافسة سوى شركة واحدة فحسب.

ويبدو غريباً أن يتخلى بهذه السهولة المشغل الخليوي MTN، الذي بدأ أعماله في سوريا عام 2007، عن مكانته المرموقة في الأسواق السورية، إلا أن الحديث يسري عن ضغوط متزايدة تتعرض لها الشركة.

وأعلن الرئيس التنفيذي للمجموعة، رالف موبيتا، في مؤتمر صحافي، بأن “العمل هناك بات غير محتمل”، في إشارة إلى سوريا، واضعاً في الحسبان، بحسب قوله، معايير المخاطر المالية الاستراتيجية، في وقت عرضت فيه الشركة حصتها للبيع في فبراير (شباط) الماضي، والبالغة 75 في المئة في سوريا مقابل 65 مليون دولار.

تطمين للعملاء والسوق

في غضون ذلك، أعلنت الشركة أن قرار الانسحاب لن يؤثر على عملها في سوريا ووفق بيان نشرته، “هذا يشمل التزاماتها تجاه عملائها وشركاتها وموظفيها، بالإضافة إلى دورها في دعم الاقتصاد الوطني ومسؤوليتها الاجتماعية”.

وعلمت “اندبندنت عربية” أن العلامة التجارية من المتوقع أنها ستتغير في المرحلة القادمة من دون البوح أو الإعلان عن هوية المستحوذ الجديد للمشغل، والمملوكة بنسبة 73.47 في المئة من قبل شركة “إنفستكوم موبايل كوميونيكاشن”، بينما الشركة الأم في جوهانسبورغ، بجنوب أفريقيا.

يأتي ذلك وسط تطمينات عن عدم تغيير دورها في عالم الاتصالات، مع التخفيف من حدة وهول الانسحاب ووصفه بالأمر طبيعي الذي يحدث في عالم الأعمال، مع مواصلتها تقديم خدماتها، بما في ذلك خدمات الإنترنت.

هجرة الاستثمار الضائع

ابتعاد الشركة عن السوق السورية عدّه اقتصاديون ضربة قاسية للحياة التجارية التي تشهد تراجعاً فادحاً في الآونة الأخيرة، ويعلق في الوقت ذاته الأكاديمي والمتخصص في شؤون الاقتصاد المصرفي، محمد حاج عثمان، سبب هذا التراجع في الاستثمار على تجاوز البلاد لحالة الانكماش والجمود الذي عاشته خلال عقد من الزمن.

ويتحدث الأكاديمي حاج عثمان لـ”اندبندنت عربية” عن مرور البلاد بمرحلة صعبة خرجت من إطارها المعهود بالجمود، والتضخم إلى مرحلة جديدة تتمثل بالمناخ الطارد للاستثمارات، “نأسف، ليس لبيع شركة اتصالات حصتها، بل أيضاً لهجرة متنامية لمنشآت واستثمارات واسعة”.

ويضيف، “في حال وسّعنا دائرة النظرة إلى المشهد سنشاهد أغلب القطاعات يثقل كاهلها مشاكل لا حصر لها، في حين يبقى الفريق الاقتصادي الذي يدير البلاد في هذا المنحى لا يقدم أي جديد في تطوير أي أمر يواكب المستجدات الحديثة، أو يخرج بقرارات جديدة أكثر فائدة بما يخصص الإنتاج والاستثمار”.

ويقول عثمان، إن “أغلب المنشآت تعاني مشاكل الضرائب، ومنها ما زالت تطالب منذ أعوام على سبيل المثال تقديم إعفاءات ضريبية بعد ما شهدت تلك المعامل أذيّة بسبب الحرب، أو الاهتمام بالإنتاج، ومكافحة الهدر والفساد، علاوة على ضعف الطاقة المشغلة، وشحها، وكل ذلك إن لم يحدث لن يكون أمام السوريين المقدرة بتحسين عملتهم، وجعل بلادهم بيئة جاذبة لرأسمال”.

الضغوط والحراسة القضائية

ويتزامن انسحاب الشركة ذات العلامة التجارية بلونها الأصفر مع حراسة قضائية عليها فرضها مجلس الدولة السوري في شهر فبراير من هذا العام بناءً على دعوى أقامتها وزارة الاتصالات في البلاد بعد ثبوت مخالفة الشركة للالتزامات المفروضة عليها من عقد الترخيص، وترك تأثيراً على حقوق الخزينة بنسبة تقدر بـ21.5 في المئة من الإيرادات، وسُميت شركة “تيلي إنفيست ليميتد” حارساً قضائياً لها.

ويرى متابعون للتطورات الحاصلة أن الحراسة القضائية تأتي ضمن جملة الضغوط التي تتعرض لها كبرى شركات قطاع الاتصالات، حيث يستحوذ عليها شركتان هما “MTN” و”سيرتيل” بينما تجد أوساط رسمية أن الحراسة القضائية على الشركة لا تعد ضغوطاً عليها بقدر ما هي في حقيقة الأمر حقوق مالية لا بد من استيفائها لصالح الخزينة العامة.

المشغل الثالث المنافس

يأتي ذلك مع ما يثار منذ ما يقرب العام عن قضايا تتعلق بصاحب شركة الاتصالات “سيريتل”، رامي مخلوف، في الوقت الذي يتهيأ فيه مشغل خليوي ثالث الولوج للأسواق السورية. ويرجح مراقبون أنه سيكون منافساً لهما، خاصة مع ما يتردد قبل أعوام عن مساهمة إيرانية لإطلاق مشغل خليوي، حيث سبق هذا رغبة طهران الدخول في قطاع الاتصالات، وإن لم تكن في الواجهة، بل عبر أذرع اقتصادية.

في المقابل، أعلنت وزارة التجارة الداخلية، وحماية المستهلك في وقت سابق من العام الجاري، التصديق على النظام الأساسي لشركة “وفا تيليكوم” كمشغل ثالث من دون تحديد موعد البدء بعمله.

وإن بدت الأجواء غير مريحة ومشجعة لعمل الشركات الكبرى في بلاد تأكلها الحرب خلال عقد من الزمن ثمة توجس وخوف يتغلغل في أعماق الشارع السوري عن مصير شركات كبيرة ومنشآت في قطاعات ثانية مصيرها الهجرة في ظروف كهذه غير مشجعة لا محالة.