خبر

كوابيس يعانيها المرشحون… الكلمة الفصل “للرماديين”

عشيّة فتح صناديق الاقتراع ينام المرشحون على مجموعة من المخاوف والهواجس المبررة والمنطقية، وقد عجزت مؤسسات الإحصاء عن تقدير المنحى الذي اتخذته نسبة واسعة من اللبنانيين في اختيار لائحتها ولمَن سيكون صوتها التفضيلي، باستثناء المجموعات الحزبية التي حسمت أمرها وتسعى الى الكسب من بحر المترددين المتبقّين في المنطقة الرمادية. وعليه، ما الذي يوحي بهذه الأجواء؟

على وَقع الصمت الانتخابي الإجباري المعلن منذ صباح اليوم تنشط الماكينات الانتخابية الحزبية والشخصية إلى جذب مزيد من المؤيدين في الساعات الفاصلة عن موعد فتح صناديق الاقتراع عند السابعة من صباح غد، من دون توفير اي من الوسائل الممكنة لإتمام العملية في بلد ما زال يتفهّم فيه الجميع، من المسؤولين وغير المسؤولين، المعادلة التي تقول «ان الغاية تبرر الوسيلة» ولو كانت تجري من خارج ما يقول به الدستور وما تنص عليه القوانين المرعية الاجراء.

ومن هذه المنطلقات بالذات، لا يستطيع  كثير من المرشحين حسم النتائج المرتقبة لما سيؤدي اليه المَد الشعبي في اليوم الانتخابي الكبير، والذي يتوقف على حجم المشاركة في العملية الانتخابية خصوصا في بعض الدوائر التي ستلعب فيها نسبة المشاركة او أحجام الناخبين وتردّدهم في الحضور الى مراكز الاقتراع دورها. فعليها تقف نسبة كبيرة ممّا قد تنتهي إليه من نتائج سنداً الى ما يقول به قانون الانتخاب عدا عن المزاج الشعبي الذي يميّز في ما بينها، ويوزّعها بين دائرة متجانسة واخرى مركبة الى درجة كبيرة تتحكم بها المواقف الحزبية والشعبية وتعطيها نكهات مختلفة لا يمكن لأحد تَجاهُل أهميتها عند تقدير ما ستؤول إليه الانتخابات.

وعلى رغم  مجمل هذه المؤشرات التي لا يمكن تجاهل اهميتها، يبدو انّ اكثرية اللوائح والمرشحين يعيشون هواجس متعددة يقترب بعضها من الكوابيس، قياساً على حجم التحديات التي أظهَرتها نتائج التجارب السابقة، وهو ما أشارت إليه التقارير التي وضعتها ماكينات انتخابية متمرّسة تقرأ في كواليس الصناديق الانتخابية قبل فتحها بهوامش ضئيلة من الخطأ. وهي إن دلّت على شيء فانها حملت كثيراً من المعطيات الجديدة التي أفرَزتها المراحل الثلاث من التجارب الانتخابية التي شهدتها بلدان الانتشار بمرحلتَيها كما بالنسبة الى انتخابات الموظفين المكلفين ادارة العملية الانتخابية والنسَب التي دلّت إليها، ما سيسمح بقراءة استباقية لكثير من المؤشرات الدالّة الى ما هو مُنتظر غداً.

وعند الدخول في تفاصيل البحث عن المخاوف والهواجس التي تسكن اللوائح والشخصيات المرشحة، يكتشف المراقبون الذين تحدثوا الى “المركزية” عن مجموعة من الملاحظات المشتركة التي يعيشها الخصوم والحلفاء على حد سواء. فالقانون المعتمد للانتخاب يفتح الشهية على المنافسة من ضمن اللائحة الواحدة ويرفع من منسوبها الى الدرجة القصوى. وقد جددت بعض الاحصائيات تأكيد صدقية ما دلّت إليه التجارب السابقة وخصوصاً تلك العالقة في أذهان المرشحين منذ اعتماد هذا القانون وتطبيقه في الدورة الماضية قبل أربع سنوات. ولا يمكن لأحد تَجاهل ما تسبّبت به من جدل واسع واتهامات متبادلة بالخداع والطعن بالظهر، والتي خرجت الى العلن من كواليس وصالونات اهل البيت الواحد.

فالسباق الى الصوت التفضيلي بَقي وسيبقى «المفتاح السحري» وبيت القصيد عند تحديد السبب الذي يقود الى السباق الإنتخابي في ظل احتكاره والقدرة على التحكّم به من قلائل من رؤساء اللوائح وأعضائها، حيث الماكينات المنظمة التي تحصيه بهامش خطأ ضيق جداً. وهو ما يبرّر كثيراً المخاوف التي تختلج في صدور وعقول «الرفاق الاعدقاء» في المشوار الانتخابي، وسط الإعتقاد الذي بات ثابتاً في وجود مَن قبل طوعاً وبكامل إرادته في ان يكون وقوداً في إطار الجهود المبذولة لتكوين الحواصل الانتخابية التي تتحكّم بتوزيع المقاعد النيابية في ما بينها بطريقة نسبية فتحت نافذة بقيت حلماً للبعض منهم في انتظار بعض المفاجآت التي وفّرت الفوز بمقعد في هذه الدائرة او تلك بعيداً من منطق العدد وحجمه، وهو ما سمح بوصول أصحاب مئات الأصوات التفضيلية الى ساحة النجمة بدلاً ممّن امتلك الآلاف منها.

والى هذه المخاوف المشتركة، يبقى انّ هناك هواجس ومخاوف في عدد من الدوائر الانتخابية المختلفة والمتمايزة في ما بينها. ففي الدوائر التي يختلط فيها العنصر الحزبي بما هو عائلي وعشائري وطائفي ومذهبي تتبدّل الهواجس، وتتحول لتصبح رهناً بحجم المشاركة السنية في البعض منها على خلفية عزوف واعتكاف زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري عن الترشح والاقتراع وعن العمل السياسي وهو ما فتحَ شهية البعض على «نَهش» هذه الاكثرية الناخبة في مناطق محددة سعياً الى وراثتها وتقاسمها بوسائل متعددة، منها ما هو منطقي ان عادت هذه البيئات الشعبية الى سابق عهدها في التعاطي مع مرجعيات مناطقية وسياسية وحزبية وعائلية ودينية كانت لها أدوارها قبل ان تترجمها قيادة «المستقبل» وتوحّدها في مواجهة امتدت على مسافة اكثر من ثلاثة عقود تخلّت فيها هذه المراجع عن مسؤولياتها طوعاً لمصلحة وحدة الطائفة وحضورها في الميادين السياسية والوطنية بوحدة ضُرب بها المثل طوال تلك الفترة.

ومع هذه المعطيات، التي تميّز بعض الدوائر، تعيش دوائر أخرى هواجس ومخاوف من نوع آخر، فحيث تتحكم الاحادية والاكثرية الطائفية والمذهبية بدوائر أخرى تتبدّل في شكلها ومضمونها، وحيث يخوض «الثنائي الشيعي» معاركه الانتخابية لا يخشى الخرق الانتخابي ولكنه يخشى ان تسجّل اللوائح التي «تنطّحت» للمنافسة أرقاماً عالية في خاناتها. ومن حقها ان تعبّر عن هذه المخاوف. فصناديق الانتشار توحي بمثل هذه الأجواء المقلقة، ونسبة مشاركة الشيعة في بعض الاقلام الاوروبية والافريقية جاءت «هزيلة» ولم تصل الى المتوقع، وهي كانت تراهن وتحتسبها بما يفوق الـ 80 الى 85 %. وهذه الشريحة، وان لم تنتخب لسواها الا انها لم تصدق معها، خصوصا إن جاءت عملية الفرز مساء غد بما لا ترتاح له هذه الثنائية من مفاجآت مع الاستعداد المُسبق لتبريرها واستيعابها بحجة وضع الحزب في عدد من هذه الدول على لائحة المجموعات الإرهابية المحظورة.

واستناداً الى ما تقدّم، تبدو الأجواء المخيمة على بعض الدوائر ضبابية، ولا يمكن تجاهل ما يمكن ان تحمله من مفاجآت، حتى يأتي الخبر اليقين عند احتساب نسبة المشاركة والتوجهات المفاجئة التي ترافق تحركات مجموعات انتقلت فجأة من مواقعها الرمادية الى مكان آخر يرسم صورة جديدة عن الاستحقاق الانتخابي. كلّ ذلك يجري على عتبة مرحلة جديدة تُنسي اللبنانيين المحطات الانتخابية، لتبدأ بعدها مسيرة من نوع آخر قبل ان تنهشها القرارات الحكومية المنتظرة في خلال ايام والتي ينتظرها اللبنانيون بعيداً من النفي الرسمي لها. فإن لم تكن «موجعة» كما يصفها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكل التقديرات الحكومية تقول انها «مؤلمة» وانّ غداً لناظره قريب.