كتب طارق أبو زينب في “نداء الوطن”:
مع اقتراب مهلة اتفاق العاشر من آذار بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والحكومة السورية، والقاضي بحل الميليشيا ودمجها ضمن صفوف الجيش السوري، شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في تحركات “قسد” على الساحة اللبنانية. هذا النشاط يعكس مسعى واضحًا لابتكار مسارات سياسية وأمنية موازية خارج حدود سوريا .
ولم تقتصر تحركات “قسد” على التواصل مع الأطراف الرسمية والسياسية اللبنانية فحسب، بل شملت أيضًا “حزب الله” وفلول النظام السوري السابق المقيمين في لبنان، في محاولة محكمة لإعادة التموضع قبيل استحقاق مفصلي لا يقبل أي التفاف أو تأجيل .
إلا أن هذه المحاولات اصطدمت برد سريع وحاسم. فعقب مغادرة وفد “قسد” بيروت، وصلت العاصمة اللبنانية بعثة حكومية سورية رسمية في تتابع زمني بدا مقصودًا، يعكس استعجال دمشق لاستعادة السيطرة على الملف ومنع تحويل لبنان إلى منصة بديلة لتحركات الميليشيا مع اقتراب انتهاء مهلة الاتفاق. ويرى محللون أن هذا التتابع يرسخ نفوذ دمشق على الملف السوري ويُعيق أي محاولة لإحداث اختراقات سياسية من خارج الدولة .
وفي إطار هذه التحركات الرسمية، استقبل نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، مدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية، محمد طه الأحمد، يرافقه إياد الهزاع المعين رئيسًا لبعثة سوريا الدبلوماسية في لبنان.
بحسب مراقبين، فإن زيارة البعثة، التي جاءت مباشرة بعد مغادرة وفد “قسد”، حملت رسالة سياسية ودبلوماسية صارمة وواضحة مفادها أن أي محاولة لفرض مسارات بديلة أو عقد تفاهمات خارج إطار الدولة السورية ستواجه ردًا مباشرًا وفوريًا، مؤكدًا أن لبنان لن يكون منصة لتجاوز السيادة السورية أو الالتفاف على الاتفاقيات المصيرية.
توسع النفوذ السياسي خارج سوريا
وكشفت مصادر سورية مطلعة لـ “نداء الوطن”، أن “قسد” تسعى من خلال هذا الحراك إلى تعزيز حضورها السياسي خارج الحدود السورية واستطلاع مواقف القوى اللبنانية المؤثرة حيال المسار السوري الجديد. كما تهدف إلى بناء تحالفات استراتيجية وحشد شبكة علاقات مناهضة للحكومة السورية، بما يتيح لها مواجهة التوجهات السياسية التي تقودها دمشق لتثبيت سلطتها على كامل الأراضي السورية.
ويصف خبراء هذه التحركات بأنها جزء من مرحلة إعادة ترتيب التوازنات الإقليمية في ظل صراعات نفوذ متشابكة ومعقدة، وتكشف عن قدرة “قسد” على استثمار الانقسامات الإقليمية لتأمين مصالحها .
في المقابل، كشفت المصادر نفسها عن حالة استياء عميق تسود القيادة السورية تجاه استقبال الجانب اللبناني وفودًا تابعة لـ “قسد”، معتبرة أن هذا الانفتاح يمثل خروجًا صريحًا عن المسار السياسي والأمني المتفق عليه، مؤكدين أن “قسد” لا تعد سوى ميليشيا مسلحة .
لقاء غير معلن مع “حزب الله”
وفي خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة، عقد لقاء سري بين قياديين في “قسد” ومسؤولين في “حزب الله”، رغم التباعد السياسي المعروف بين الطرفين. ويعود ذلك إلى التباين في تحالفاتهما الإقليمية؛ إذ ترتبط “قسد” بالولايات المتحدة، فيما يتموضع “حزب الله” ضمن محور إيران.
العامل المشترك بين الطرفين يتمثل في معارضتهما للحكومة السورية الجديدة، ما دفعهما لاستكشاف أرضية مشتركة. وركز اللقاء على إمكانية إقامة إطار تنسيقي سياسي، واستعراض تطورات الوضع السوري، ورسم ملامح العلاقة بين الجانبين بما يتلاءم مع المرحلة المقبلة، إلى جانب بحث سبل التعاون المحتملة التي تخدم مصالحهما المشتركة .
كما سعى وفد “قسد” إلى معرفة ما إذا كانت هناك اتصالات قائمة بين دمشق و “حزب الله” برعاية أطراف إقليمية، ولا سيما تركيا، في إطار إدارة المرحلة السورية الجديدة واحتواء تداعياتها الأمنية والسياسية .
شبكة علاقات مع فلول النظام السابق
ولم تقتصر تحركات “قسد” على “حزب الله” فقط، بل شملت لقاءات مع ضباط ورجال أعمال محسوبين على النظام السوري السابق، ممن يقيمون ويتحركون في بيروت. وتهدف هذه الاجتماعات إلى حشد حلفاء محتملين داخل لبنان، واستطلاع أدوارهم في المرحلة المقبلة، ما يمنح “قسد” هامشًا أوسع للتنسيق على المستويين المحلي والإقليمي في آن واحد .
ويشير مراقبون إلى أن هذه التحركات تأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل سعي مختلف الأطراف إلى تقييم المشهد السوري الجديد بعد سقوط النظام السابق، مؤكّدين أن الحراك السياسي والأمني لـ “قسد” يثير غضب دمشق ويهدد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لا سيما في ظل وجود فلول النظام السابق في لبنان.
لبنان منصة تصعيدية لقسد في مواجهة دمشق
في الخلاصة، لم تعد تحركات “قسد” في لبنان مجرد نشاط سياسي عابر، بل أصبحت جزءًا من محاولة ممنهجة لفرض وقائع جديدة خارج الجغرافيا السورية .
من بوابة بيروت، تسعى “قسد” إلى إعادة تدوير نفوذها عبر شبكات سياسية وأمنية تمتد من “حزب الله” إلى بقايا النظام السابق، في تحدٍ مباشر لمرجعية الدولة السورية. هذا المسار لا يضع “قسد” في مواجهة مفتوحة مع دمشق فحسب بل يفتح الباب أمام تصعيد سياسي وأمني قد يتجاوز الحدود السورية، ويعيد رسم خريطة النفوذ الإقليمي بشكل معقد ومتعدد الأطراف.
أخبار متعلقة :