خبر

4 اسباب أدت إلى تجميد “المبادرة الروسية”

 

عندما أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قمة هلسنكي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب المبادرة الروسية الخاصة بشأن عودة النازحين، كان لبنان الأسرع في تلقف هذه المبادرة والبناء عليها.

فقد جاءت هذه المبادرة بمنزلة خشبة خلاص للطبقة السياسية المتصارعة فيما بينها حول هذا الملف وتقف عاجزة إزاء كيفية التعاطي مع مسألة معقدة وشائكة وكل أوراقها وخيوطها ليست في يد الدولة اللبنانية.

فالرئيس ميشال عون رحب بأول مبادرة عن جهة دولية في الموضوع الأبرز الذي يقض مضجعه، والرئيس نبيه بري ارتاح بطبيعة الحال لمبادرة صادرة عن روسيا حليفة إيران وسورية، اما الرئيس سعد الحريري فيحتاج الى مبادرة كهذه تقيه خطر الاتصال المباشر مع دمشق.

تفاعل لبنان إيجابا مع المبادرة الروسية وأدرجها في البيان الوزاري للحكومة، مع أنها لم تلق دعما أو ترحيبا من الولايات المتحدة وأوروبا، ولم يتم التعامل معها بجدية. وانتظر لبنان تفعيلا لهذه المبادرة ووضع آليات تنفيذية لها مع زيارة الرئيس ميشال عون الى موسكو. ولكن تبين أن هذه الزيارة التي فتحت أفقا جديدا في مستقبل العلاقات اللبنانية ـ الروسية، لم تحقق على مستوى ملف النازحين اختراقا نوعيا، ولم تكن المحصلة والنتائج، في مسألة عودة النازحين على أساس المبادرة الروسية، على مستوى الطموحات والآمال والتوقعات.

وهذا ما انكشف وتأكد في متن البيان المشترك والنص الخاص بموضوع النازحين وورد فيه «يؤيد الجانبان الجهود الرامية الى تطبيق مبادرة روسيا لتأمين عودة النازحين السوريين والمهجرين داخليا، ويؤمنان بأن حل هذه المشكلة يعتمد مباشرة على تهيئة الظروف المؤاتية في سورية، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إعادة الإعمار ما بعد الصراع. ويدعوان المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الى تأمين كل المساعدة الممكنة لهذه العملية».

هذا النص يعني أن ظروف ومقومات تنفيذ المبادرة الروسية لم تنضج بعد، وأن روسيا لم تعد كما كانت في العام الماضي متحمسة لفتح ملف عودة النازحين، وإنما عمدت الى فرملة اندفاعتها في هذا الملف والى تجميد مبادرتها ووضعها جانبا لأسباب واعتبارات متعددة يمكن تعدادها في النقاط التالية:

1 ـ الخلاف اللبناني الداخلي في مقاربة ملف النازحين والذي يدور بين فريقين: فريق يتملكه هاجس عدم الربط بين عودة النازحين والحل السياسي للأزمة السورية، وفريق يتملكه هاجس عدم الربط بين عودة النازحين والتطبيع السياسي مع الحكم في دمشق. هذا الخلاف والانقسام اللبناني يزعج روسيا التي لا تلقى نصائحها بالتواصل مع دمشق تجاوبا من فريق رافض وينتظر ضوءا أخضر عربيا ـ أميركيا. ولكن هذا الخلاف ليس مهما أو الأهم، وإنما يقع في أسفل لائحة الأسباب التي تدفع روسيا الى تجميد مبادرتها، والمشكلة تكمن ليس في الموقف اللبناني، وإنما في موقف المجتمع الدولي وجنوحه الى تأجيل ورقة النازحين حتى ايجاد حل للنزاع الذي لا يزال قائما حول مستقبل سورية.

2 ـ المبادرة الروسية تحتاج الى تمويل من قبل المجتمع الدولي لوضعها موضع التنفيذ. ولكن الموقف الدولي يربط بين تقديم وضخ الأموال الى سورية والتوصل الى حل سياسي للأزمة فيها. فمن دون هذا الحل، لا مال ولا إعادة إعمار، وبالتالي لا إمكانية لعودة واسعة للنازحين التي صارت «ورقة تفاوضية» وجزءا من التسوية الشاملة.

3 ـ تأخذ روسيا في الاعتبار جملة عوامل لا بد من معالجتها لضمان نجاح عودة النازحين. وعلى سبيل المثال، الحاجة الى إصدار عفو عام جديد عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية لتشجيع الشباب على الالتحاق بقراهم ومدنهم، لأن العفو العام السابق الذي صدر شمل الذين انشقوا عن الجيش ولم يشمل الذين تخلفوا عن الخدمة العسكرية الإلزامية. والعفو العام إذا صدر لا يشجع فقط النازحين الى دول الجوار على العودة، وإنما يدفع رجال الأعمال الذين غادروا سورية الى إعادة ممارسة أعمالهم واستثمار أموالهم.

وعلى سبيل المثال أيضا، تنتظر روسيا نتائج جهودها مع دول غربية، خصوصا أوروبية، لإقناعها بالمساهمة ليس في إعادة الإعمار، وإنما في ترميم منازل متضررة في عدد من المناطق وتكاليفها منخفضة قياسا الى المناطق المدمرة كليا أو جزئيا.. وتجد روسيا صعوبة في إقناع أوروبا ودول خليجية حتى في موضوع الترميم، لأن هذه الدول تعتبر أن إعادة النازحين من دون ضمانات الحل السياسي يجعلهم عرضة للخطر.

4 ـ هناك سبب خفي يتعلق بالتفاهمات الأميركية ـ الروسية في سورية. صحيح أن هناك تعارضا في أمور كثيرة، ولكن الانسجام بينهما حول الخطوط العريضة ما يزال قائما، حتى في ملف الوجود الإيراني العسكري في سورية. وقد انكشف في معرض المباحثات اللبنانية في موسكو أن القيادة الروسية تراعي كثيرا الطلب الأميركي بوضع ملف عودة النازحين السوريين جانبا في هذه المرحلة.