سلك أمس مشروع موازنة العام 2019 طريقه إلى قصر بعبدا، بعدما أنهت الحكومة مهمتها الشاقة، وبعد 19 جلسة متواصلة، وبمعدل 100 ساعة من المناقشات التفصيلية، وبعد طول أخذ وردّ، على أن الإنطباع الذي خرج به عدد من الوزراء لا يوحي بأن جلسة يوم الأثنين في القصر الجمهوري ستكون الجلسة الأخيرة، قبل إحالة مشروع الموازنة إلى الأمانة العامة لمجلس النواب لتحويلها إلى لجنة المال والموازنة لدراستها بالتفصيل قبل تحويلها إلى الهيئة العامة للمجلس.
ويسود إعتقاد في الأوساط السياسية أنه على رغم أن جلسات مجلس الوزراء قد انتهت في السراي الحكومي، فإنه من الواضح ان الخلاف بين المكونات السياسية لم ينتهِ فصولًا وهو آخذ بالتنامي يومًا بعد يوم مع إقتراب آجال أكثر من إستحقاق على المستويين الدولي والإقليمي، وبالأخصّ في ما يتعلق بالشق اللبناني المرتبط، بطريقة غير مباشرة، بما يُعرف بـ"صفقة القرن"، قد رحّلت الى قصر بعبدا، خصوصًا أن ثمة معلومات تتردّد عن الأسباب المباشرة التي دفعت بوزير الخارجية جبران باسيل إلى تطويل المناقشات بحجّة التوصل إلى تخفيض العجز إلى أكثر من 7.6، وهذا ما أثار حفيظة عدد من الوزراء، ومن بينهم وزير المال علي حسن خليل، الذي أصرّ على أن التوصل إلى هذه النسبة من تخفيض العجز يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية، لأنه "لو أردنا الوصول إلى ما دون هذا الحدّ في هذه الظروف الصعبة لكانت النتيجة ستأتي حتمًا على حساب ذوي الدخل المحدود، وهذا الأمر لم يكن في وارد الخوض به"، وبذلك سيكون الحديث على طاولة القصر الجمهوري مستفيضًا في هذا الخصوص، بإعتبار أن ما تمّ التوصل إليه يمكن إعتباره مقدمة لا بدّ منها للولوج إلى بنود إصلاحية أكثر وضوحًا، من حيث الأهداف والجدوى الاقتصادية والمالية للدولة، والتي يمكن أن يتضمنها مشروع موازنة العام 2020، الذي بدأ التحضير له منذ اليوم، ليكون جاهزًا قبل نهاية السنة.
وعلى رغم بعض الهواجس لدى عدد من الوزراء حول آلية التنفيذ ومدى التطابق بين النظري والعملي، وذلك إستنادًا إلى تجارب الماضي، التي لا تشجع كثيرًا ولا تدعو إلى المغالاة في التفاؤل، فإن العبرة تبقى في ما يمكن أن يُتخّذ من إجراءات تحول دون تكبيد الطبقات غير المقتدرة ما لا طاقة لها على الإحتمال، على أن تبقى جلسة بعبدا بمثابة جسّ نبض أو بمثابة إختبار للنوايا، خصوصًا أن ثمة قناعة لدى الجميع بأنالجلسة في قصر بعبدا لن تكون جلسة شكلية، حيث من المتوقع أن ستستمر النقاشات الختامية أو الاستراتيجية حتى بعد انتهاء النقاش التقني، وهذا ما تمّ إستنتاجه من عبارة
"حسم بعض النقاط في الموازنة" من أن النقاش لم ينته، وان الجلسة ستكون لاجراء قراءة أخيرة في الأرقام ونسبة العجز التي تحققت جراء التخفيضات التي اجريت عليها، على أن تخصص لمناقشة بعض الامور التقنية وربما تتوسع الى نقاش بعض البنود أو النقاط التي يمكن ان تدخل تحسينات اضافية على الموازنة، أو بعض البنود التي لاقت تحفظات بعض القوى السياسية.
وقال الحريري إن الموازنة "خلصت"، لكنه لم يخف استياءه من محاولة اطالة النقاش وتمديده، مشيرا الى ان لديه ارتباطا ولا يستطيع ان يستمر اكثر.ولم يخف انزعاجه لدى خروجه الى مكتبه في السراي، وكذلك بدا الوزير جبران باسيل منزعجا ايضا لأسباب لم يكشف النقاب عنها.
وهذا الإنزعاج، الذي انتهت إليه جلسات السراي، سينتقل حتمًا إلى بعبدا، وسيكون حاضرًا بقوة على مسمع ومرأى من رئيس الجمهورية، الذي كان مواكبًا لسير جلسات السراي بكل تفاصيلها، وهو سيكون داعمًا لوجهة نظر الوزير باسيل القائلة بضرورة التروي في درس كل التفاصيل الممكنة، والتي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من خفض العجز، أقله في الظاهر، وهذا ما لا يوافقه عليه الرئيس نبيه بري الذي قال امام زواره "انتهت الموازنة مبدئياً، وهناك جلسة ستعقد في بعبدا".ولم يعلق على تفاصيل ما جرى، مؤكدا على اهمية الاسراع في احالتها الى المجلس النيابي.
ولأن مقترحات باسيل لم تقر كلها، وبقي بعضها للنقاش، فإنه من المتوقع أن تطفو من جديد على سطح طاولة القصر الجمهوري، من دون أن يعني ذلك عدم التوصل في جلسة الإثنين إلى إقرار الموازنة بصيغتها النهائية وتحويلها إلى ساحة النجمة.