من هنا ربما ابرز اوجه التغيير بدأت تتظهر من خلال الانفتاح الغير معلق على شرط بين موسكو والرياض والذي تكلل بسلسلة اتفاقيات ثنائية هامة لم تقتصر على ضبط التوزان في سوق النفط وانما تعدتها الى اتفاقيات ذات طابع عسكري تحمل في ثناياها بذور تعاون استراتيجي جديد بعيد المدى قد يكسر بـ"صقوعته" حرارة الخليج نحو آفاق جديدة ومختلفة. يضاف الى هذا الحدث تمكن أنقرة من أخذ مفاتيح أسوار واشنطن في الشمال السوري عبر اقدامها على عملية "نبع السلام" في مواجهة الاكراد واصرارها على المضي بالمواجهة حتى تمكنها في انشاء منطقة آمنة تضمن من خلالها عودة مليون ونصف الى مليوني لاجىء سوري اليها في اطار رفع هذا العبء عنها. بالمقابل تقف موسكو امام ذلك موقف المنظم لسير الحراك التركي ممسكة بيد دمشق خطوة بخطوة غير آبهة بالموقف الايراني سيما وانها تدرك الحاجة الايرانية للحفاظ على شعرة معاوية مع تركيا للالتفاف على اي عقوبات اميركية أخرى. الامر عينه ينسحب ايضاً على حاجة واشنطن للرياض اقتصادياً وايضا لتركيا في السياسة الخارجية في الشرق الاوسط والشرق الاقصى وهذا ربما ما يفسر استمرار اللقاءات بين واشنطن وانقرة للبحث في ملفات عدة وآخرها لقاء الامس الذي تناولا فيه التطورات الحاصلة في الملف السوري.
امام هذا المشهد البانورامي لحراك القوى الكبرى يمكن القول بأن محرك اللعبة الخارجية اليوم هو الداء الاقتصادي الذي تعاني منه العديد من الدول نتيجة انغماسها في صراعات وخلافات عدة دفعت اكلافها غاليا ومازالت، فشكل ذلك دافعا رئيساً في فكفكة اصطفاف المحاور "العمودي" الى ثنائيات أفقية تلتقي فيما بينها حيث تلتقي مصالحها الاقتصادية واضعة كل نقاط الخلاف السياسية في ملفات المنطقة جانباً.على ذلك يبقى لاعب وحيد يبدو انه ذاهب للعزف "سولو" منفردا وهو "ايران"،في ظل اشتداد الخناق الاقتصادي عليه و"تفريز" حراكه العسكري في مناطق الصراع ، الامر الذي قد يجعل من المساحات التي تخضع لنفوذه المباشر او عبر نفوذ ادواته في المنطقة ورقة طيّعة بين يديه لأي تحرك قد يسعفه في فتح منفذ له، هذا اذا لم نقل، الى قلب الطاولة في مكان ما في مواجهة الحصار والتغييرات الحاصلة.