خبر

في ظلّ الانهيار الوشيك التكليف المؤجل.. ومواصفات الحكومة تسبق رئيسها

تحت عنوان التكليف المؤجل: مواصفات الحكومة تسبق رئيسها، كتب نقولا ناصيف في "الأخبار": من 17 حكومة منذ عام 1990، مع تطبيق الآلية الدستورية الجديدة لتأليف الحكومات تبعاً لاتفاق الطائف، ثلاث حكومات فقط لا تزال تسبق الحال الراهنة بتأخير اجراء الاستشارات النيابية الملزمة الى امد غير معروف. الحكومة الاولى للرئيس نجيب ميقاتي عام 2005 لم تجر استشاراتها النيابية الملزمة سوى بعد انقضاء شهر ونصف شهر على استقالة سلفه الرئيس عمر كرامي، ثم حكومته الثانية عام 2011 بعد انقضاء 11 يوماً على اسقاط حكومة سلفه الرئيس سعد الحريري، فحكومة الرئيس تمام سلام عام 2013 بعد انقضاء 13 يوماً على استقالة سلفه ميقاتي. اليوم هو اليوم 11 لتأجيل الاستشارات النيابية الملزمة من غير ان يظهر مؤشر ايجابي الى موعدها بعد.

الى الآن يكاد المعلوم هو الغامض الوحيد في المشاورات الجارية بلا طائل، من غير ان يتزحزح الافرقاء المعنيون عن تصلبهم وعنادهم وشروطهم المسبقة. المعطيات المحوطة بتلك المشاورات وحدها تؤذن بحجم الخلافات والانقسامات التي باتت تجعل من الصعوبة بمكان - ما لم تحدث اعجوبة - توقع استشارات نيابية ملزمة قريبة وتالياً حكومة في مدة وجيزة ايضاً:

 

1 - يريد الحريري العودة الى السرايا، لكن بشرط تأليفه حكومة تكنوقراط ليس فيها احد من القوى السياسية في الحكومة المستقيلة. ما يعرفه ان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله يرفضون شرطه هذا من دون التخلي عنه. ما هو معلوم لديه كذلك انه يحتاج الى العودة الى السرايا مقدار حاجته الى البقاء في الحكم، وعدم تكرار خروجه منه على غرار ما فعل بين عامي 2011 و2016، وتعويض الكثير الذي فقده في تجربته السياسية في السنوات الاخيرة. يحتاج الى استرجاع ثروته من خلال "بيزنس" سياسي، والمكانة التي يتيحها له منصبه في التواصل مع الخارج. فقد الرجل ظهيراً سعودياً عوّل عليه بقوة ما بين عامي 2005 و2011 في ظل الملك عبدالله، قبل ان يخسره تدريجاً مع خلفه الملك سلمان وولي العهد الامير محمد بن سلمان بشهادة محنة الحريري في الرياض في تشرين الثاني 2017. لم يعد لديه البريق الاقليمي والدولي الذي ورثه من والده الراحل، من غير ان يتحلل تماماً، ما دام الغرب ينظر اليه على انه صورة السنّي المعتدل الانيق بربطة عنق. لم يعد يسع الرجل كوالده ان يكون وسيط العرب لدى الغرب، ووسيط العرب لدى العرب. في خاتمة المطاف عاد زعيماً سنّياً هو الاول بين اقرانه، من غير ان يكون الوحيد، اثقلت عليه نتائج انتخابات 2018، واضطر الى اعلان استقالته بغية استعادة الحد الادنى من الشارع السنّي الذي وضعه منذ الايام الاولى للحراك في منزلة السياسيين المطلوب اسقاطهم.

 

2 - يتسلح الحريري بذريعة تمسكه بحكومة تكنوقراط للقول ان توزيره حزب الله سيقوده الى توزير سائر الكتل والاحزاب الممثلة في الحكومة المستقيلة، ما يفضي الى اعتقاده بأن حكومة على صورة تلك المستقيلة لن تحدث صدمة لدى الحراك الشعبي، ولا تخرجه من الشارع. حكومة يتمثل فيها حزب الله في الوقت الحاضر تعني بالنسبة اليه ان ابواب الغرب والخليج العربي لن تُفتح، ولن يسعه الحصول على دعم ومساعدات اقتصادية. ليس في فحوى موقف الحريري، بمناداته بحكومة تكنوقراط خالصة، اي "مؤامرة" ضد حزب الله بعدما اعتاد تطبيع العلاقة معه منذ اتفاق الدوحة عام 2008، ثم اضحى اقرب الى تعاون في الولاية الحالية، بمقدار ما يوحي بمقاربته الواقعية لما يتوقعه العرب والغرب من حكومة عاد حزب الله مجدداً الى الاشتراك فيها او حكومة من دونه.

 

3 ـ على طرف نقيض منه، لا يبدو حزب الله في وارد تفهّم ذرائع الحريري. ثلاث رسائل على التوالي أفهمت الرئيس المستقيل انه يوشك على الدخول في اشتباك مع الحزب: اولاها في كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 19 تشرين الاول عندما جهر برفض استقالة الحكومة، وحذر اي احد من المسؤولين من التنصل من مسؤولية ما وقعت فيه البلاد، مع تهديده بملاحقة هؤلاء ومحاكمتهم حتى. لوهلة بدت الرسالة موجهة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي لمح الى احتمال استقالة وزرائه، قبل ان يتبين ان المقصود الوحيد - ربما - هو الحريري نفسه بتنبيهه الى محاذير استقالته. ثانية الرسائل بعد عشرة ايام عندما ابلغ الحريري الى معاون الامين العام حسين الخليل قرار استقالة سيعلنها بعد ساعات، فسمع جواباً ممتعضاً غير مرحب. ثالثة الرسائل كانت رداً على الرسالة الثانية في اجتماع 7 تشرين الثاني بين الحريري والخليل الذي نقل اليه موقفاً حازماً وقاطعاً برفض حزب الله حكومة تكنوقراط على نحو ما يتطلبه الحريري. مرونة الحزب تتوقف عند حكومة سياسية، او في احسن الاحوال حكومة سياسية مطعمة بوزراء تكنوقراط تسميهم كتل الوزراء السياسيين، ما يعني عدم خروج الوزراء التكنوقراط من عباءة الكتل نفسها. بذلك لا يعود يصح التمييز بين فريقي الوزراء هؤلاء كونهم ينبثقون من مرجعية واحدة. فحوى الرسالة الثالثة اعادة تأكيد الحزب عدم تخليه عن الحريري، الا ان الغطاء السياسي للحكومة ليس هو مَن يوفره لها خلافاً لما يعتقده الحريري بالذات، بل موازين القوى الفعلية الممثلة في الحكومة.