من منا عندما كان صغيرًا لم يكن معجبًا بالمسلسل التلفزيوني الكوميدي الشهير ''صح النوم''، وكان أكثر ما يُضحك في المسلسل، عدا عن مقالب دريد لحام (غوار الطوشي) هو شخصية حسني البرزان (نهاد قلعي) عندما كان يطلق عبارته الشهيرة ''إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل''، ولعل سبب الضحك إنما يعود إلى عدم وجود علاقة أو حتى ارتباط بين ما يحدث في إيطاليا مع ما يحدث في البرازيل.
أما اليوم فإنه إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في لبنان فعلينا أن نعرف ماذا يجري في واشنطن وفي باريس وفي طهران وفي الرياض. المفارقة أن ما كان يضحكنا بالأمس أصبح يبكينا أو يكاد اليوم.
لم يكن ما يحدث في لبنان من تطورات سوى ترداد لصدى ما يجري في الخارج، خصوصًا أن اللبنانيين منقسمون بين فريقين، الأول مرتبط بهذا المحور، والثاني مرتبط عضويًا بالمحور المقابل، لما لهذين الإرتباطين من إلتزامات تجعل من سلطة القرار الداخلي مرهونًا بسلطة القرار الخارجي، على رغم المحاولات الكثيرة، والتي باءت كلها عمليًا بالفشل، بأن ينأى لبنان بنفسه عن سياسات المحاور.
لا يصدّق أي عاقل أن التعقيدات المحيطة بأزمة التكليف والتأليف، والتي طالت، هي داخلية بحتة أو أنها "صناعة" لبنانية خالصة. فمن يعتقد ذلك من السهل بأن يُنعت بالساذج، الذي تفوته تفاصيل كثيرة تمتدّ من ساحات الحراك – الإنتفاضة لتصل إلى ما يجري في العراق، قبل إستقالة رئيسي حكومة البلدين وبعدهما، ومدى إرتباط أزمة لبنان بأزمات المنطقة، وأن ما يطالب به الشارع اللبناني قد يكون شبيهًا إلى حدود متقاربة مع مطالب الشارع العراقي، مع إختلاف الظروف والطبيعة الجغرافية، التي تجعل بغداد أقرب إلى طهران من بيروت.
فالحركة الديبلوماسية التي شهدتها دوائر المرجعيات الرئاسية الثلاث خلال الاسبوع الماضي، قد عكست اهتماماً غربياً لافتاً بلبنان وان كان الموقف الاميركي قد انتقل من موقع المتابعة الى موقع التسليم للرئاسة الفرنسية برعاية الحل السياسي المقبل، والذي لا يقتصر فقط على دعوة اللبنانيين الى انجاز اتفاق سياسي جديد بعدما سقطت كل الاتفاقات السابقة.
وفي هذا الاطار تكشف بعض المصادر المطلعة عن قناعة فرنسية بأنه من المستحيل استبعاد أي مكون سياسي لبناني عن السلطة أو عن مجلس الوزراء، خصوصاً اذا كان هذا المكون يحظى بتمثيل شعبي كبير وكتل نيابية وازنة، مع العلم أن هذه القناعة متوافرة لدى عواصم القرار الغربية كما الاقليمية، وبالتالي فإن ما تردد من تسريبات عن "فيتو" أميركي او غربي حول مشاركة او تمثيل "حزب الله" في الحكومة المقبلة، لا يتطابق مع الواقع الفعلي للمناخات الغربية وخصوصاً المناخ الفرنسي.
لكن هذه المعطيات لا تعني ان الطريق سالكة امام أي مبادرة فرنسية اليوم، ولكنها تعتبر أن مشهد الانهيار والاهتراء الذي يتكرس يومياً في الشارع عبر الازمات الاقتصادية والاجتماعية الى جانب الازمة المالية غير المسبوقة والاخطار المرتقبة، يجعل من الحل أو التسوية شبه مستحيلة على المستوى الداخلي، إلا اذا أخذت الاطراف المعنية بالنصائح الفرنسية والبريطانية بوجوب اعتماد نهج سياسي جديد ومغاير للنهج المعتمد في السنوات الماضية وخلال التسويات السابقة التي كانت تقوم على تقاسم النفوذ السياسي بين الاطراف السياسية البارزة.
فاللقاء الذي تتجه نحوه أنظار اللبنانيين، والذي يضم رؤساء دوائر الشرق الاوسط في وزارات الخارجية الثلاث، وهم: الاميركي دايفيد شينكر، والفرنسي كريستوف فارنو والبريطانية ستيفاني القاق، والذي كان مقررًا عقده في لندن خلال هذا الأسبوع أرجىء إلى وقت غير محدّد، الأمر الذي يدعو إلى طرح أكثر من تساؤل عن الأسباب الموجبة التي أملت إرجاء اللقاء، مع ما يحمله هذا الإرجاء من تفسيرات وإجتهادات قد يكون لها علاقة بالمحادثات، التي تنوي واشنطن إجراءها مع طهران، على رغم التشنج الظاهري بينهما.