أخبار عاجلة

الهيبة ليست مسلسلًا

الهيبة ليست مسلسلًا
الهيبة ليست مسلسلًا
كتب المحامي وهيب ططر:

حل نقيب المحامين السابق في طرابلس المحامي و الوزير رشيد ‏درباس ضيفًا على قناة الجديد متحدثًا عن واقعة عون-حبيش حيث قال:"نرى أن الزميل حبيش بالغ وهو غير محقّ لكن القاضية غادة عون في المقابل هي من بدأت و قالت له "وقح" وقالت لمحام آخر: "أنت موقوف"!
وما أن أنهى هذه الجملة، حتى اتصلت حضرة القاضي غادة عون، بسحر ساحر لتقول حرفيًا وعن الشاشة ومباشرة:

هادي حبيش قال لي انت فاتحة كرخانة يعني انت شر...".

 

حين سمعتها وأنا محام منذ ربع قرن شعرت بالخجل وبإنهيار سلم المهنة التي تربيت عليها! 

مرت أمامي صور قضاة كبار عظماء ترافعت أمامهم امثال  سعيد عدرة و طارق زيادة ومحمد علي عويضة والياس نمّور وغيرهم حيث كنا نقف أمام حضورهم وهالتهم ووقارهم بما شهدت على الشاشة الفضية عكسه، شهدت قاضيًا يضرب اركان هيبة القضاء بكلمات لا يجب أن تصدر ممن اعتلى قوسًا وأخذ موقع الحكم بين متخاصمين.

أعدت سماع التسجيلات التي سربت مرارا وتكرارا وتأكدت أن الأستاذ هادي حبيش لم يقل ذلك ، الا أنه أخطأ و  أساء هادي حبيش للقضاء.
أمّا حضرة الرئيسة عون فقد أساءت للعدالة برمتها بما أدلت به شكلًا ومضمونًا ليلة أمس، أساءت  للعدالة عن سبق الاصرار والترصّد حين كررت ما قالته اكثر من مرة لكي يتضح انها ثبتت الصفة التي لم يطلقها حبيش على حضرة القاضي. 

يتوجب على القاضي، وقبل أن يشرع بإنتعال حذائه ليذهب الى المحكمة ، أن يتوشّح  بـ "واجب التحفظ" ، لا بل عليه ألا يخلع هذا الوشاح حتى أثناء نومه..
واجب ووشاح مقدّس يقيّد حريّة القاضي في التعبير، مع ايماني المطلق بأن للسادة القضاة الحق في حرية التعبير، ولكن بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية ، بما في ذلك الحفاظ على وقار القضاء وهيبته".

فالهيبة يا سيدتي ليست مسلسلاً تلفزيونيًا ّ! الهيبة في حالتنا هي واقع وحقيقة وضابط وفرض مقدّس على السادة القضاة الالتزام به، وبالمقابل على المحامين والعموم الانحناء لهم ولهيبتهم؛
فالمشرع عندما نصّ على هذا الضابط المُوَجِّه لسلوك القاضي، استند في تشريعه الى المواثيق الدولية ذات الصلة. حيث بالعودة الى هذه المواثيق، ورد في البند 8 من مجموعة المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة بمقتضى قراريها؛
(الأول، رقم 32-40، مؤرخ في 29-11-1985،
والثاني رقم 146-40، مؤرخ في 13-12-1985):
"وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية، شأنهم في ذلك شأن المواطنين الآخرين، التمتع بحرية التعبير والاعتقاد والانتساب والتجمع، شريطة أن يتصرف القضاة دائما في ممارستهم هذه الحقوق على نحو يحافظ على هيبة ووقار مناصبهم، وعلى نزاهة واستقلال السلطة القضائية".
وضمن ذات الاطار نص البند 6-4 من مبادئ "بانغالور" للسلوك القضائي الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، على ما يلي:

"يحق للقاضي، كأي مواطن آخر، حرية التعبير والعقيدة والارتباط والتجمع، ولكن يتعين عليه دائما عند ممارسته تلك الحقوق أن يتصرف بشكل يحافظ فيه على هيبة المنصب القضائي، وحياد السلطة القضائية، واستقلالها".
نعم يا سيدتي، لقد بادرت بتصريحك على شاشة التلفزيون بسحق هذه الهيبة وأصبت منها مقتلًا و هو أمر خارج عن المألوف و يستحق إعادة دراسة المسار الذي سأكتبه في قضايا شتى.
ولكي لا أطيل ، أجد نفسي مضطرا لتلخيص مفهوم "واجب تحفظ القاضي"، فيما يلي:
أولا: أن حق التعبير مكفول للقضاة،
ثانيا: أن هذا الحق مشروط بالمحافظة على أمرين: هيبة مهام الوظيفية القضائية، ونزاهة القضاء.
والاثنان لا ينفصلان، تمام مثل قولنا <لا اله، الا الله>
يا سيدتي لقد مارستي حقك  في التعبير، الا أن الكلمات التي صدرت عنك ثقبت مقلة عين وقار وهيبة القضاء!
ولا بد لي من أن استذكر هنا، يوم قام القضاء اللبناني بإصدار حكمه في قضية سماحة / كفوري / مملوك، بادر أحد السادة القضاة بالتعبير بشكل غير مباشر عن امتعاضه تجاه القرار القضائي! وبرأيي كان القاضي محقًّا ومحقًّا  و لكن جرى الادعاء عليه من قبل مجلس القضاء الاعلى وأحيل أمام التفتيش القضائي، الذي نسب اليه مخالفة الاخلال بموجب التحفظ؛ وكنت أنا وكيل عن القاضي الممتعض، و مثلت معه أمام هيئة التفتيش في وقتها ، حيث كان حضرة رئيس مجلس القضاء الاعلى الحالي عضوا في هيئة التفتيش التي قضت بادانة موكلي!

اليوم أتساءل، ما هو موقف جانب مقام كل من ذكرت أعلاه تجاه ما سمعه الشعب اللبناني على الملأ و الصادر عن قاضٍ؟؟ ماذا حلّ بـ"واجب التحفظ" أو ليس ثمة مساس لا بل إمتهان لهيبة السلطة القضائية؟ أولسنا أمام خرق واضح صارخ فاضح لـ"واجب التحفظ".
أضع مطالعتي هذه بتصرف كل قاضٍ وكل محامٍ بل بتصرف العدالة بجناحيها لأن كل اصلاح لا ينطلق من القضاء لا يعول عليه.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟