نشرت صحيفة "إيريش تايمز" مقالاً أشارت فيه الى أنه "على الرغم من أن جون بولتون مستشار الأمن القومي المتشدد الذي أطاح به أخيراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستحق الشكر لمساعدته في إنقاذ الولايات المتحدة من وقوع ثلاث كوارث، إلا أنه لن يحصل سوى على القليل من التقدير والتعاطف".
وذكر الصحافي بريت ستيفنز أن منع ثلاث كوارث لم يكن إنجازاً سهلاً بالنسبة إلى بولتون الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي لمدة 17 شهراً فقط.
الكارثة الأولى: الاتفاق مع كوريا الشمالية
ويوضح الصحافي أن أول كارثة تم تفاديها تمثلت في توقف مشروع الاتفاق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في مطلع العام الجاري في هانوي، وكانت الولايات المتحدة ستقدم بموجبه تنازلات اقتصادية ودبلوماسية قوية مقابل وعود بيونغ يانغ الزائفة بنزع الأسلحة النووية. وعلى الأرجح أن متملقي الرئيس والانعزاليين الجمهوريين إلى جانب عدد قليل من الليبراليين كانوا سيرحبون بمثل هذا الاتفاق الذي كان ترامب سوف يستخدمه في تزيين صورته الذاتية باعتباره مرشحاً يستحق جائزة نوبل للسلام.
ويرى الصحافي أنه كما هو الحال مع كل ما وعدت به كوريا الشمالية في السابق بشأن نزع السلاح النووي، فإن هذه الصفقة كانت ستصبح مخزية، ولكن بولتون استطاع وقف هذا الاتفاق من خلال الإصرار على أن يكون نزع السلاح النووي بالكامل لكوريا الشمالية شرطاً رئيسياً لهذه الصفقة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يقبله الزعيم الكوري الشمالي لأن نظام حكمه لا يستطيع البقاء من دون أسلحته.
الكارثة الثانية: الانسحاب الأمريكي من سوريا
أما الكارثة الثانية التي تجنبها بولتون فتمثلت في الانسحاب الكامل للقوات العسكرية الأمريكية من سوريا، وهو ما أعلنه ترامب فجأة خلال شهر كانون الأول الماضي في أعقاب محادثة هاتفيه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويصف الصحافي الانسحاب الأميركي الكامل من سوريا بأنه "خيانة قاسية" للمقاتلين الأكراد الذين تمكنت الولايات المتحدة بمساعدتهم من القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، كما أن الانسحاب الأمريكي أيضاً يُعد بمثابة دعوة لجميع أسوأ اللاعبين في المنطقة (إيران ووكلاؤها، ونظام الأسد، ونظام أردوغان وفلول داعش) لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي.
ويؤكد الصحافي أن بولتون ساعد على إيقاف هذا الأمر أيضاً من خلال معارضة الرئيس ترامب ثم إبطاء عملية سحب القوات، وكذلك من خلال المناورة لحض بريطانيا وفرنسا على إرسال قوات خاصة بهما. والنتيجة أن القوات الأميركية لاتزال توفر حماية للأكراد ضد نظام الأسد وأردوغان والجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
الكارثة الثالثة: الاتفاق مع طالبان
ويلفت الصحافي إلى أن الكارثة الثالثة التي منعها بولتون تمثلت في محاربته الشديدة للاتفاق الكارثي الذي كاد أن يعقده ترامب مع طالبان في قمة كامب ديفيد المفاجئة التي تم التخطيط لعقدها في نهاية الأسبوع الماضي.
ومن شأن الاتفاق، الذي أمكن التفاوض عليه من دون مشاركة الحكومة الأفغانية المنتخبة، أن يحدد جدولاً زمنياً لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يتزامن مع الجدول الزمني للانتخابات الأميركية. وباستثناء وعد غامض من طالبان بعدم السماح لأفغانستان بأن تصبح مرة أخرى قاعدة للجهاد العالمي، فإن الاتفاق لم يطالب حركة طالبان بالتخلي عن علاقاتها بتنظيم القاعدة الإرهابي أو القيام بأي شيء باستثناء عدم مهاجمة القوات الأميركية وهي في طريقها للخروج من البلاد.
بولتون يدفع الثمن
ويلفت الصحافي إلى أنه يتفق مع وجهات نظر بولتون المتشددة الأخرى بما في ذلك معارضته الشديدة للاتفاق النووي الإيراني وآراءه حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنه يعتقد أن بولتون ساهم في تدمير رئيسه وبلاده ونفسه.
ويقول الصحافي: "لقد أضر بولتون الرئيس ترامب عندما وافق منذ البداية على العمل معه رغم معارضته الشديدة لقناعات ترامب الأساسية سواء فيما يتعلق بالتزامات الولايات المتحدة تجاه حلف الناتو أو مبادراته إزاء إيران أو علاقاته مع روسيا. ولا شك أنه يحق لكل رئيس الحصول على المشورة الصريحة، ولكن مستشاري الرؤساء يتعين عليهم تكريس طاقاتهم للنهوض بأجندة الرؤساء وليس إحباطهم".
ويعتبر الصحافي أن بولتون ألحق الضرر ببلاده من خلال محاولة إخفاء حقيقة رئاسة ترامب؛ وبخاصة لأن مناورات بولتون البيروقراطية ربما منعت اخفاقات السياسية الخارجية الأمريكية في كوريا الشمالية وسوريا وأفغانستان وأماكن أخرى على الأقل في الوقت الحالي. ومن خلال إبعاد الأمريكيين عن عواقب دوافع ترامب وسياساته، فإن إعادة انتخاب ترامب باتت أكثر احتمالاً، وعلى الأرجح أن العواقب التي حاول بولتون منعها سوف تحدث إذا تمت إعادة انتخابه؛ لاسيما أن الرؤساء عادة ينفذون سياساتهم الخارجية رغم المعارضة إذا أعيد انتخابهم.