إيران تلوّح بالخروج من الاتفاق النووي: المهلة لأوروبا لتنفيذ آلية التعامل المالي بدأت بالنفاد
الأسبوع المقبل يحسم القمة ودعوة سورية… وبعبدا تؤكد انعقادها
العواصف والجليد ثنائي الطقس والسياسة… وحكومة الـ 32 على الطاولة
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
أكدت المواقف الصادرة عن عدد من المسؤولين الإيرانيين أن انتظار طهران لبلورة عملية لآلية التعامل المالي التي تم الاتفاق عليها مع الاتحاد الأوروبي قد تخطى قدرة إيران على الصبر الذي بدأ ينفد. وقالت مصادر دبلوماسية مطلعة إن طهران أبلغت القيادات الأوروبية أنها بعدما أثبتت جديتها بالوفاء بالتزاماتها التي ينص عليها التفاهم النووي رغم الانسحاب الأميركي من التفاهم، لا تستطيع الانتظار طويلاً كي يثبت الشركاء الباقون في التفاهم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم، وأن الأوروبيين وعدوا بمعالجة سريعة خلال الشهر الحالي، بعدما قالت طهران إنها ستجد نفسها مضطرة لتعليق العمل بالتفاهم حتى يفي الشركاء بموجباتهم، ما يعني عودة إيران للتخصيب المرتفع لليورانيوم، ووقف زيارات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآتها.
بانتظار تبلور المشهد الإقليمي على إيقاع المستجدات التي رسم إطارها التفاهم اليمني حول الحديدة وما يشهده من تجاذب من جهة، والانسحاب الأميركي من سورية وما أطلقه من تسابق خليجي تركي كردي نحو دمشق جاء وزير الخارجية الأميركية ومستشار الأمن القومي الأميركي لتهدئته من جهة أخرى، ينتظر لبنان ما سيحمله التشاور العربي حول القمة الاقتصادية العربية التي تستضيفها بيروت يومي 19 و20 من الشهر الحالي، وفي قلب المشاورات البحث بعودة الحكومة السورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية، ودعوتها للمشاركة في القمة، حيث قالت مصادر دبلوماسية إن اجتماع الغد للجامعة العربية على مستوى المندوبين ليس مخصصاً لهذا الملف، لكنه ربما يشهد مشاورات تمهيدية جانبية حوله، تتوّج الأسبوع المقبل بخطوات ربما تتضمن انعقاد مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، وفي ظل التساؤلات حول كيفية التعامل الرسمي مع موضوع القمة ودعوة سورية لحضورها، واحتمالات تأجيلها إذا تعذّرت دعوة سورية، قال رئيس الجمهورية إن القمة ستعقد في موعدها وإن الترتيبات لعقدها قد أنجزت.
بالتوازي دخل لبنان في منخفض سياسي وجوي، حيث العواصف والجليد ثنائي الطقس والسياسة، فالعاصفة التي تحمل الأمطار والرياح والثلوج ترافقت مع غياب أي جديد على مستوى معالجة التعثر الحكومي، وبقيت العقد تراوح مكانها، بينما كشفت مصادر متابعة عن تفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله على دعم حكومة الـ32 وزيراً كإطار لمعالجة الأزمة الحكومية، بحيث يتم من جهة إنصاف الطوائف المغبونة باستبعادها، اي الأقليات المسيحية والعلويين، ومن جهة مقابلة تتاح إعادة توزيع الحصص الرئاسية بما يترك مقعداً سنياً شاغراً لحساب اللقاء التشاوري لا يحتاج أخذه من حصة أحد، إلا أن المصادر قالت إن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري لا يزال يرفض بشدة هذا الطرح، بينما قالت المصادر إن التبادل الذي كان متفقاً عليه بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سيكون موضع إعادة نظر من بعبدا إذا بقي رفض صيغة الـ 32 وزيراً لدى الرئيس المكلف، الذي سيكون معنياً وحده عندها بتقديم الحلول.
«نورما» تقتحم المشهد…
فيما تستمر الحكومة في الأسر السياسي القسري منذ ثمانية أشهر، وقع لبنان في قفص العاصفة الثلجية «نورما» التي اقتحمت المشهد على مدى اليومين الماضيين مخلفة أضراراً كارثية في الطرقات والممتلكات معطلة حركة المواطنين اليومية، حيث احتجز عدد كبير منهم في السيارات في مناطق جبلية متعددة بينما غرقت مختلف المناطق اللبنانية بالسيول التي أدت الى انجرافات في التربة عملت فرق الإنقاذ التابعة للدفاع المدني والأجهزة الأمنية على إزالة الثلوج وفتح الطرقات وإنقاذ المواطنين.
وإذ لم ينفض لبنان مخلفات وركام «نورما» بعد، يستعدّ لاستقبال عاصفة «الغطاس» اليوم وتستمر حتى الخميس المقبل بحسب مصلحة الأرصاد الجوية التي حذّرت المواطنين ودعتهم لاتخاذ أقصى درجات الحذر، حيث تصل سرعة الرياح الى ما فوق 100 كلم وتتساقط الثلوج على ارتفاع 700 متر.
هذه الأوضاع المناخية دفعت بوزير التربية مروان حمادة الى اتخاذ قرار بتعطيل المدارس والمهنيات الرسمية يوم غد في المناطق الواقعة على ارتفاع 700 متر بينما ترك حرية التقدير للمدارس الواقعة على ارتفاع أقلّ وأعلنت المدارس الخاصة التزامها بقرار الوزير.
وكما كل عاصفة كشفت «نورما» فضائح الدولة وعجزها عن اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة الظروف المناخية، إذ تحوّل المواطن من جديد ضحية العاصفة كما هو ضحية الأزمات السياسية وهشاشة النظام الطائفي وباتت الحلول المؤقتة جرعات مخدرة لا أكثر ولا أقل سرعان مع تعود الأوجاع الى الجسد الوطني المقطع الأوصال وبات الحل الجذري هو العبور الى دولة مدنية على قاعدة العدالة السياسية والمساواة في المواطنة لا اقتسام الوطن بالتساوي بين زعماء الطوائف.
وانسحبت برودة الطقس على ملف تأليف الحكومة الذي لم يسجل أي جديد، إذ إن «نقمة العاصفة» تحولت نعمة عند المؤلفين مع فرصة الأعياد لتبرير المماطلة في التأليف، ما يزيد الركام ويرفع منسوب السواتر السياسية بين المعنيين بالتشكيل.
عون: القمة في موعدها…
أما موقف الرئيس عون من القمة العربية الاقتصادية المرتقبة في بيروت، فخرق جمود المشهد وخطف الأضواء من العاصفة، حيث أكد أن «القمة سوف تنعقد في موعدها»، لافتاً الى ان «وجود الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال ليس سبباً لتأجيل القمة، لان الحكم استمرارية والحكومة الحالية تمارس صلاحياتها وفقاً للأصول والقواعد الدستورية المعتمدة». واكد رئيس الجمهورية ان «كل الترتيبات المتعلقة بتنظيم القمة أنجزت، ولبنان جاهز لاستقبال القادة العرب ولمناقشة المواضيع الواعدة على جدول اعمال القمة».
إلا أن المشاورات لإيجاد مخرج مناسب لهذه الازمة لم تقفل بعد ومستمرة عبر مسعيين يقودهما رئيس الجمهورية وفق مصادر مطلعة لـ»البناء»: الأول السعي مع المعنيين في الجامعة العربية لتأجيل موعد القمة ريثما يصار الى تسوية إعادة سورية الى الجامعة، وهذا أحرز تقدماً، والثاني ايجاد آلية معينة لتوجيه دعوة الى سورية، إلا أن أياً من المسارين لم يصلا الى نتيجة حاسمة بعد، لكن حزب الله بحسب ما تقول مصادر لـ «البناء» يضغط باتجاه الحضور السوري ويعتبر غير ذلك خسارة كبيرة للبنان لكن لن يخلق صداماً داخلياً الى درجة تعطيل القمة، وإن لم يستجب الآخرون فسيتحمّلون المسؤولية.
أما موقف سورية في حال لم تُدعَ، فلفتت معلومات «البناء» الى أن سورية لم تتخذ موقفاً حتى الآن، لكن اي موقف رهن السلوك اللبناني على هذا الصعيد. غير أن مصادر في 8 آذار لفتت لـ»البناء» الى أن «سورية وإن وجهت لها دعوة لحضور القمة فلن تشارك، إذ إن كرامتها الوطنية لا تسمح لها بالحضور في أي قمة عربية قبل إبطال قرار تعليق عضويتها في الجامعة العربية، علماً أن دمشق ليست «مستقتلة» للعودة اليها ولا المشاركة في قممها، بل العكس هو الصحيح».
وأوضح وزير الخارجية الأسبق الدكتور عدنان منصور لـ»البناء» أنه «طالما قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سورية ساري المفعول، فإن لبنان ليس الجهة المخوّلة توجيه الدعوات للدول الاعضاء في الجامعة لحضور القمة بل يقتصر دور لبنان لكون انعقاد القمة على أراضيه على تسليم الدعوات الى رؤساء وملوك الدول العربية»، وذكر منصور بموقف لبنان في العام 2011 عندما اعترض منفرداً على قرار الجامعة بتعليق عضوية الدولة السورية في الجامعة مطبّقاً عملياً سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها حكومته آنذاك، وبالتالي انسجاماً مع موقفه حينها يضيف منصور بإمكان لبنان عبر حكومته دعوة مجلس وزراء الخارجية العرب الى اجتماع طارئ خلال 48 ساعة، وهذا حق لبنان بحسب ميثاق الجامعة وذلك لبحث مشاركة سورية وإيجاد مخرج لذلك، ويبين لبنان عن مسؤولية عالية وحسن نية وحرص تجاه شقيقته وجارته سورية، لكن البعض في لبنان يضيف منصور «يستمر بدفن رأسه في التراب ويناصب العداء الدولة السورية»، ولفت الى أن «رئيس الحكومة وحلفاءه يقدمون أوراق اعتمادهم للخارج ما يؤكد تبعية هؤلاء الذين يدعون الحرص على لبنان الى الخارج لا سيما للسعودية»، ولفت الى أن «آلية عودة سورية الى الجامعة قبل آذار موعد القمة العربية تتم باجتماع وزراء الخارجية العرب، إذ إن قرار تعليق العضوية لا يبطله إلا قرار مماثل»، وحذر من تداعيات قرار لبنان على مصالحه مع سورية على كافة الصعد لا سيما السياسية والاقتصادية».
ولفتت مصادر «البناء» الى أن «القمة وإن عقدت بلا سورية فلن تحقق أية أهداف ولا يمكن الحديث عن عمل عربي مشترك وسورية خارج المعادلة العربية»، وتساءلت: ما الذي حققته الجامعة خلال عشر سنوات الماضية غير تدمير سورية وأي أزمة عربية حلت وأي حرب أوقفت؟ واستبعدت المصادر «إعادة سورية بالسرعة المتوقعة الى الجامعة إذ إن الأميركيين لن يسمحوا للعرب بذلك قبل انتزاع جملة أهداف تتعلق بمستقبل إسرائيل والنفط وخريطة سورية الجديدة».
حزب الله: الحريري هو المعرقل
على الصعيد الحكومي، قالت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ»البناء» إن «توجيه الحزب دفة التعطيل الى الحريري ليست إعادة تموضع بل اعادة تصويب للموقف وتأكيداً بأن المشكلة ليست بين الحزب واللقاء التشاوري والرئيس عون والتيار الوطني الحر، بل مشكلة اللقاء مع المغتصب لحقوق الآخرين أي الرئيس المكلف بفعل داخلي من الحريري نفسه والمحيطين به وإما من الراعي الإقليمي»، موضحة أن «حزب الله يؤكد بأن الرئيس عون ليس مسؤولاً عن العقدة السنية فيما هي في مكان آخر».
فحصة اللقاء التشاوري، بحسب المصادر، «ليست من حصة الرئيس عون ولا الحريري بل من الحصة السنية في الحكومة وهي 6 وزراء، حيث إن الحريري لا يمكنه احتكارها كلها وإن تبادله مع عون لا علاقة للقاء التشاوري به بل لهم حصة وزير على الأقل من المقاعد الستة».
وأكد رئيس حزب «الاتحاد» النائب عبد الرحيم مراد ، في حديث تلفزيوني، أن « اللقاء التشاوري » لا يقبل أن يسمّي له أحداً ممثله في الحكومة، موضحاً أنه بعد انتهاء المبادرة الأولى نتيجة الخطأ الذي حصل يسمع أعضاء اللقاء في الإعلام عن لقاءات ومبادرات، لكنه أكد أنهم لم يطلعوا على أي منها». وأشار مراد إلى أن اللقاء قدّم 3 أسماء بالإضافة إلى النواب الستة، أي أن هناك 6 أسماء، لافتاً إلى أن «اللقاء يوافق على أي اسم يتم اختياره من الأسماء 9».
غير أن اللافت فهو رسائل حركة أمل الى رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل حول جدوى الثلث الضامن، فقد أكد رئيس الهيئة التنفيذية في الحركة مصطفى الفوعاني خلال احتفال في البيسارية أن «الحركة سارعت الى تسهيل الحكومة، وكذلك الثنائي الوطني، لكن للأسف هناك من يتلطى بشعارات لا تخدم لبنان ولا مستقبله، فالوطن لا يريد ثلثاً معطلاً انما حكومة زائدة الفعالية قادرة على مجابهة التحديات، وقادرة على ايجاد الحلول لكل الأزمات التي تحدق بلبنان، فالوطن لم يعد يحتمل التعطيل، والكل مدعو للتنازل وتخفيف السقوف العالية من أجل إنقاذ وحفظ الوطن وكرامة الانسان فيه»، في المقابل أكد عضو هيئة الرئاسة قبلان قبلان، خلال احتفال في النبطية أننا «لا نرى بالأفق حكومة قادمة لأن منطقهم ليس سليماً فهو غائب كلياً عن الوطن، فعقلية المحاصصة والاستئثار هي المسيطرة على عقول السياسيين على كل المستويات، هناك أزمات قائمة وعلى الجميع أن يسعوا وبأسرع وقت الى تشكيل الحكومة لتقوم بواجباتها امام التحديات التي يواجهها الوطن».
على صعيد آخر، عادت الرسائل التويترية لتطل مجدداً الى الواجهة داخل الساحة الدرزية، حيث غرد الوزير طلال ارسلان: «حقاً من رداءة الزمن أن يتم الرد على مرجعية درزية روحية عبر وسائل الإعلام كفى مهزلة ولعباً بمقدرات الدروز وللحديث تتمة بإسهاب». واشار أرسلان في تصريح آخر: «ليس لدينا أي علم حول توافقات مسبقة تخص أياً من التعيينات المرتقبة بعدد من المراكز الشاغرة أو التي ستشغر، وكل من يراهن على غير ذلك فهو واهم وسنكون بالمرصاد».