مخاوف مصرفية من مَحاكم تفتيش حال فشل المبادرة الفرنسية في لبنان

مخاوف مصرفية من مَحاكم تفتيش حال فشل المبادرة الفرنسية في لبنان
مخاوف مصرفية من مَحاكم تفتيش حال فشل المبادرة الفرنسية في لبنان
كتبت "الراي" الكويتية: "سود ارتباكٌ قوي في القطاع المالي اللبناني، بدفْعٍ من ضغوطٍ متزامنةٍ متنوّعةِ المصدر محلياً وخارجياً، ويزيد من ضبابية المشهد دخول البلاد في مرحلة "التيه" السياسي المعلَّق على تقدّم المبادرة الفرنسية المدعومة دولياً، وما يصاحبها من تكتّم صارم بشأن محطتّها المفصلية الأولى، التي يُرتقب تبيانُ مَعالِمها خلال أيام، من خلال تحديد مسار الحكومة الجديدة وهويّتها برئاسة السفير مصطفى أديب. ففي ظل "غيوم" العقوبات المالية الأميركية، التي يتردّد أنها تكثّفت أكثر في السماء اللبنانية، وستمطر زخات جديدة من اللوائح والشخصيات المصنّفة، بموجب تشريعات متنوّعة تستند اليها وزارة الخزانة الأميركية، ضمن خانة دعْم "حزب الله" والتورط بالفساد، ينشغل البنك المركزي اللبناني، بأولى طلبات التدقيق المحاسبي والجنائي التي ترده من 3 شركات دولية أبرمت عقود مهماتها حكومةُ تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب.
كما تترقب السلطة النقدية دخولاً فرنسياً مُصاحِباً على خط التدقيق، ويتولاه فريق مشترك من وزارة المال والبنك المركزي الفرنسي.
هي أيام حاسمة، كما يصفها مرجع مالي لـ "الراي"، فالتداخل بين الشأن السياسي وشؤون القطاع المالي أصبح عضوياً في لبنان ويكاد يبلغ مستوى التطابق.
وما موجة القلق المتفشية في الوسطيْن معاً سوى تأكيد بالأدلة والبراهين، أن مرحلة ما بعد فاجعة مرفأ بيروت بدأت فعلاً ترسم خطاً فاصلاً بين حفْظ الحد الأدنى من كيان الدولة والانخراط طوعاً أو كرهاً في عملية إصلاح بنيوية شاملة، وإما دخول البلد ومؤسساته في دوامة العواصف الداخلية والخراب الاقتصادي الكبير الذي سيطيح ما صَمَدَ من احتياطات ضئيلة تكفل توفير الدعم للسلع الإستراتيجية من قمح ودواء ومحروقات لأسابيع معدودة.
وتنبغي الإشارة إلى أن العقد الاقتصادي والمالي، يحوز الحيّز الأهمّ من العقد السياسي الذي تقترحه المبادرة الفرنسية، فإذا كان البند الأول منها هو التأليف السريع للحكومة العتيدة، فإن بند الشروع بأجندة الإصلاحات الملحة يتقدم فوراً إلى الصدارة.
وبما يخصّ الإصلاحات، فإنّ الورقة الفرنسية لحظت مجموعة إصلاحات، يجب ألّا تتأخّر السلطات اللبنانية في تنفيذها، وأبرزها التدقيق الشامل الذي يعطي صدقيةً للبنك المركزي، والاستجابة لطلب صندوق النقد الدولي والجهاز المصرفي بتغطية تقييد الرساميل، والتحويلات بقانون تشريعي (CAPITAL CONTROL)، وتعيين الهيئات الناظمة تَزامُناً مع إقرار خطة متكاملة في قطاع الكهرباء، وانطلاق هيئة مكافحة الفساد.
ويلفت المسؤول المالي الى أن الجهاز المصرفي ليس بمنأى عن دائرة التوتر المرشحة للتحول لأزمة عاتية في حال تَبَدُّل الأجواء الداخلية سلباً وانصراف الاهتمام الدولي الذي يديره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فالقطاع المعنيّ مباشرة بالتزام العقوبات الأميركية تحت طائلة المساءلة والمحاسبة القاسية، يتهيّب من "محاكم التفتيش" التي أطلقتْها الدولة في صيغتها ما قبل المبادرة الفرنسية ضدّ السلطة النقدية.
وثمة مخاوف مشروعة، وفق تقديره، من استعادة أجواء استعداء القطاع المالي بكامل مكوناته في حال تعثّر تأليف الحكومة الجديدة أو إخضاعها للتوقيت اللبناني وانعطاف الضغط الدولي.
وإذ يشير الى إشغال الجهاز المصرفي بموجباتٍ جديدة فرضها البنك المركزي حديثاً، وخصوصاً لجهة ضخ رساميل جديدة و الحثّ على إعادة أجزاء من تحويلاتٍ تمّت للخارج وبمفعول رجعي يعود إلى 3 سنوت، يعتبر الخبير المصرفي الدكتور جو سروع، أن من قساوة الظروف أن المصارف التي كان في صلب عملها أن تضمن زبائنها عند أي طرف ثالث، داخل البلاد وخارجها، أصبحت الآن ملزمة بأن تكفل ذاتها بذاتها.
ويأتي ذلك في وقت طلب مصرف لبنان من المصارف اللبنانيّة، إجراء تقييم عادل لموجوداتها ومطلوباتها، وتحضير خطّة تساعد على التقّيد بالقوانين المرعيّة الإجراء، وخصوصاً تلك المتعلّقة بنسب السيولة والملاءة، توطئةً لإعادة مستوى خدماتها إلى ما كان سائداً قبل ثورة 17 أكتوبر 2019.
كما فرض "المركزي" على المصارف زيادة سيولتها مع المصارف المُراسِلة، عبر تحفيز المودعين الذين حوّلوا أكثر من نصف مليون دولار، على إعادة تحويل 15 في المئة من هذه المبالغ إلى حسابات خاصة مجمدة لمدة 5 سنوات، مع تطبيق نسبة 30 في المئة على رؤساء وأعضاء مجلس إدارة وكبار المساهمين والإدارات العليا التنفيذيّة في المصارف وعلى الأشخاص المعرّضين سياسياً (PEPs).
ويلفت محلّلون إلى أنه وبمعزل عن الصعوبات العملانية والثغر القانونية، التي بيّنتْها مذكرة جمعية المصارف إلى حاكم المركزي، للتحكمّ بأموال خرجت تحت سقف القوانين والتعاميم المرعية الإجراء، فإن مجلس النواب مقبل على التجاوب مع أحد شروط صندوق النقد الدولي، لإقرار مشروع قانون ضبط الرساميل (كابيتال كونترول )، وهو المرجعية التشريعية التي يمكن للبنوك الاستناد إليها لقوْننة ما تنفّذه منذ أشهر من منْعٍ للتحويلات ولصرْف المدخرات بالدولار وحتى تقييد السيولة بالعملة الوطنية.
وتعتبر الثقة هي المفتاح السحري الذي سيفكّ قيود البلد واقتصاده ومؤسساته، كما يؤكد الخبير سروع، وإعادة بناء الثقة ليس مهمة حصرية بالقطاع المالي بل هي في المقام الأول منوطة باستعادة الدولة لسيادتها ولمسؤوليتها المركزية ولقراراتها المحورية في المهمة الإنقاذية المطلوبة لتستحق دعم المجتمع الدولي، وعليها الإقرار وليس إنكار مسؤوليتها عن الإيفاء بدينها الذي يعود للمودعين في نهاية السلسلة الشائكة بين المدين الحكومي والدائن المحكوم بتعليق دفع أصول الديْن وفوائده".
وتابع أن الفجوة المالية المقدرة بنحو 80 مليار دولار، استهلكتْها الدولة من توظيفات البنك المركزي والمصارف، وهي في الأساس ودائع للناس في البنوك.
وأكد سروع أن مجرد تعهد الدولة بإيفاء دينها السيادي، سيشكل أساساً لإعادة هيكلة للمصارف جدية وصحية وقابلة للحياة، وإعادة هيكلة الورشة الجامعة لتَحَمُّل المسؤوليات وتَوَزُّعها، بحيث يكون القطاع المالي شريكاً فاعلاً في تحقيق الإصلاحات المطلوبة من الخارج وليس من الداخل فحسب.
وقال "إنها فرصة مهمة قد يكون مردودها المعنوي أكثر فعالية من مردودها المالي، وفي حال تحقّقت من الممكن أن تحضّر لانطلاقة واعدة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، الذي يبدو الآن أكثر مرونة مع الوضع اللبناني، وفي الأصل يتوجب على الدولة أن تعرف تماماً كيف تحلّ مشكلة، بدل أن توجِد من مسائل تفصيلية مشاكل كبيرة وعصية على الحلول".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى منخفض جويّ متمركز فوق اليونان... هذا موعد وصوله إلى لبنان