كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
جرت اتصالات داخلية وخارجية على أعلى المستويات لوقف السقوط المدوي الذي حصل في الأسواق المالية وفي القطاعات التي ترتبط بمعيشة الناس، خصوصا في مجال المواد الغذائية، وذلك على أثر انهيار قيمة الليرة اللبنانية، بعد أن وصل سعر صرف الدولار الواحد الى أكثر من 37 الف ليرة لبنانية.
ونجحت هذه الاتصالات في تشجيع حاكم مصرف لبنان على اتخاذ خطوات مالية حازمة ساهمت في تهدئة الوضع ولجم ارتفاع سعر الصرف، حيث تراجعت قيمة الدولار أكثر من 10 الآف ليرة في يوم واحد.
من المؤكد أن خوفا جديا عاشه كبار المسؤولين الذين يمسكون بناصية القرار، لاسيما بعد أن انتشرت الدعوات الى العصيان والى الاعتصامات من أحزاب وجمعيات ونقابات متعددة.
وأصدر القضاة بيانا هددوا بالتوقف عن العمل نهائيا في كل النيابات العامة وفي المحاكم من جراء عدم قدرتهم على الوصول الى أماكن عملهم بسبب ارتفاع سعر المحروقات وتدني قيمة رواتبهم، وقائد الجيش العماد جوزيف عون حذر من نفاد مخزون التغذية للعسكريين الذين يعانون من أوضاع مالية في غاية الصعوبة.
وعلى إثر ذلك، أعلن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنه لا يعمل لإقالة قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان كما تنقل عنه المعلومات الصحافية، ووزارة الطاقة قالت: إن باخرة محملة بالفيول لمعامل الكهرباء قد بدأت بالتفريغ، بعد أن عاشت البلاد عتمة شاملة لخمسة أيام متتالية، وساهمت زيادة الطلب على مادة المازوت للمولدات الصغيرة برفع سعر الدولار، لأن ثمن هذه المستوردات تدفع بالدولار النقدي، لاسيما التي تأتي من ايران عبر مرفأ بانياس على الساحل السوري.
تقول معلومات على صلة وثيقة بما يجري، أن فريقا واسعا من السفراء والمسؤولين تحرك لتدارك خطورة الوضع وتهدئة الاضطراب، وقد قطعت الاتصالات مع قوى إقليمية ومحلية أشواطا كبيرة في سبيل فرض تسوية تنقذ لبنان، ومنها تهيئة الأجواء لانتخاب رئيس محايد للجمهورية.
وتقول المعلومات إن زيارة المبعوث الأوروبي سيفن كوبمانز لم تطرح مبادرة للسلام مع اسرائيل كما يشيع أطراف قوى الممانعة، بل انها حملت وعودا جدية لمساعدة لبنان من مختلف الجوانب المالية والاقتصادية، بشرط أن تلتزم الحكومة بالإصلاحات الضرورية، لاسيما في تأليف هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء، وإخراج هذا القطاع من معادلة المحاصصة، وهو إحدى شروط البنك الدولي لتمويل استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر.
يبدو أن حزب الله مازال يكابر في تأخير التسوية، وفي المساهمة في انتاج وضع من عدم الاستقرار، ربطا بالملف النووي الإيراني المتعثر في فيينا.
وخطاب السيد حسن نصرالله الذي أعلن عن احتمال وقوع اضطرابات أمنية واسعة في المنطقة تأتي في ذات السياق، والأخطر ما جاء في خطاب نصرالله بمناسبة عيد التحرير، حيث قال «المهم أن تبقى الدولة ويبقى الجيش أولا، ومن ثم نفكر بموضوع تسليم السلاح» ويبدو واضحا أن الهدف من التصعيد هو الالتفاف على المؤشرات الإيجابية التي قد تحصل، ولتحذير بعض النواب الجدد من مغبة تجاوز الخطوط الحمر في طرح الملفات الإصلاحية الداخلية، وهي مرتبطة برأي الحزب مع الملفات الإقليمية المعقدة.
من الواضح أن الحوارات الإقليمية التي تجري، والتنسيق القائم بين عدد من الدول الكبرى المهتمة بلبنان، يبشران بإيجاد حلول واقعية لبعض التعقيدات الداخلية اللبنانية، ولن يبقى لبنان رهينة بأيدي الذين أوصلوه الى الانهيار، وتجربة تبادل الأدوار في السنوات الست الماضية، أثبتت فشلها، لكن فاتورة فشل هذه التجربة كانت غالية جدا على اللبنانيين.
يدور كلام واسع في الأوساط الديبلوماسية المعنية: أن الاستحقاقات الدستورية القادمة ستمر بسلام، وقد يكون الصيف القادم صيفا واعدا.