هل يجوز الكلام على خلاف أو اختلاف، على المستوى الاستراتيجي، يمكن أن يقع بين “حزب الله” والرئيس ميشال عون وفريقه السياسي، في يوم ما؟ وهل يكون النزاع الدائر على الحكومة العتيدة من المؤشرات الأولية لتباعدٍ معيَّن بين الحليفين؟
يعتقد البعض أنّ “حزب الله” لن يتيح تأليف حكومة جديدة في هذه المرحلة، أيّاً كانت التسويات المطروحة، لأنّ هناك ضرورات إقليمية تتعلق بإيران أو بسوريا تقتضي ذلك. ويقول هؤلاء: “إذا حُلَّت عقدة الوزير السنّي فسيقوم “الحزب” أو حلفاؤه بخلق عقدة جديدة تؤدي إلى تأخير جديد. وهذا ما جرى قبل اليوم مرتين على الأقل، وفي كل مرّة كان يعتقد الجميع أنّ العُقد قد حُلَّت وأنّ الحكومة باتت على وشك الولادة”.
إلّا أنّ بعض المتابعين ينظر إلى العقدة الحكومية من زاوية مختلفة. ويقول هؤلاء: “الكلام على خلفيات إقليمية لقرار “حزب الله” تأخير ولادة الحكومة يبدو واقعياً. ولكن ما يستدعي التدقيق هو حيثيات هذا القرار. فـ”الحزب” لا يريد تأخير الحكومة في المطلق، بل هو يريد ممارسة أقصى الضغوط ليستولد الحكومة التي توفِّر له ولإيران أوسع نفوذ ممكن”.
وفي رأي هؤلاء أنّ “حزب الله” لن يسمح بولادة الحكومة إلّا إذا كانت تحت سيطرته، مع حلفائه المسيحيين والسنّة والدروز طبعاً. والسبب أنه يتوقّع متغيّرات استراتيجية في الشرق الأوسط ربما تؤدي إلى إضعاف دور إيران في سوريا، وتالياً إضعاف دوره في سوريا ولبنان.
وهنا يبرز السؤال الذي يشغل كثيرين: ولكن، لماذا يتنازع “الحزب” وفريق رئيس الجمهورية على “الثلث المعطِّل” وهو أبرز حلفائه المسيحيين؟ وما الذي يخشاه “الحزب” عندما يعترض على حكومةٍ يكون فيها 18 وزيراً لـ8 آذار، يُفترَض أنهم موالون له في المعنى الاستراتيجي، مقابل 12 وزيراً لـ14 آذار ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؟
ما يثير هؤلاء هو أنّ “الحزب” يخوض “معركة أهلية” في داخل “بلوك” الـ18 وزيراً الموالي له، ولا يبدو أنّ هاجسه هو نسف الثلث الـ14 آذاري المعطّل (إذا تمّ احتساب وزيرَي جنبلاط ضمنه، والوزير المحسوب على الرئيس نجيب ميقاتي).
وهذا ما يدفع إلى السؤال: هل هناك فعلاً، لدى “حزب الله”، شكوك حول التزام عون وفريقه السياسي “الولاء” للخط الاستراتيجي الذي ينتمي إليه “الحزب”؟ أم انّ الشكوك لا تتجاوز المستوى السياسي التكتيكي؟
أساساً، جاء عون إلى “الحزب” عام 2006 من محور استراتيجي مقابل. و”الحزب” نفسه ليس مخدوعاً بذلك، كما أنّ عون لم يخدع حليفه الجديد، يومذاك. فكل الأمور كانت واضحة للطرفين. وما حصل هو أنّ عون قدَّم إلى “حزب الله” “ولاءً” للخط الاستراتيجي، فرَدّ “الحزب” له “الجميل” في الحياة السياسية والسلطة: المجلس النيابي، الحكومة، التعيينات ثم رئاسة الجمهورية.
لم يحصل “غشّ” من الجانبين على مدى 13 عاماً. واليوم، ما زال فريق رئيس الجمهورية يدافع عن المقاومة والعلاقة مع سوريا على أحسن ما يرام. وما قام به الوزير جبران باسيل في الأشهر الأخيرة كان كافياً، منذ أزمة “مصانع الصواريخ” المزعومة قرب المطار إلى الوساطة بين العرب لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
وفي المقابل، لم يسعَ “الحزب” إلى إضعاف فريق الرئيس على رغم الخلافات المريرة بين الطرفين على طاولة مجلس الوزراء في الحكومة المستقيلة، وعلى رغم التنافر في التحالفات خلال الانتخابات النيابية الأخيرة، وعلى رغم التأزّم الحاصل بين الطرفين في ملف الرئاسة.
يعتقد البعض أنّ “حزب الله” مطمئنّ إلى عون وفريقه تماماً على مستوى الخيارات الاستراتيجية، وأنه لا يرغب في استهدافه تحديداً بانتزاع الثلث المعطّل من يده، وإنما هو يريد انتزاع أي ثلث معطّل، من يد أي طرف آخر في الحكومة. وبناء على ذلك، يعرف “الحزب” أنّ قوى 14 آذار لن تتمكّن من تحصيل “الثلث المعطّل” عملياً، لأنّ جنبلاط “عند الحَشْرة” يعرف حدوده ولن يجرؤ على الوقوف في صفّ الحريري و”القوات اللبنانية” ضده.
ولكن، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بدأ المتابعون يطرحون فرضيات جديدة حول مستقبل العلاقات بين “الحزب” وعون وفريقه السياسي، على مستوى الخيارات الاستراتيجية. وثمة مَن يرى أنّ المعطيات الجديدة التي بدأت تلوح في أفق الشرق الأوسط، في الأشهر الأخيرة، تدفع “حزب الله” إلى الحذر من أيّ تحوّل سياسي مُحتمل على الساحة الداخلية، ولو لم يصل إلى حدّ التعارض معه.
ويفترض هؤلاء أنّ الاتجاه الذي تشهده الخريطة السورية سيترك تأثيرات في لبنان أيضاً. فإذا نَما نفوذ الرئيس السوري بشّار الأسد، بقوة روسيا لا إيران، ومباركة إقليمية ودولية، وتطبيعٍ للعلاقات مع العرب، فإنّ نفوذ إيران سيتراجع في لبنان وسوريا، ضمن حدود، بحيث لا يمكن الكلام بعد ذلك عن فائض للقوة الإيرانية في هذين البلدين.
في هذه الحال، سيكون موقع الأسد حسّاساً جداً لجهة إقامة توازن بين روسيا وإيران والاعتبارات العربية الإقليمية والدولية الأخرى. وهذا أمر منطقي. واستتباعاً، سيكون حلفاء الأسد أمام تحدّي الالتزام نفسه على المستوى الاستراتيجي. وهنا، يمكن التفكير في الاعتبارات التي ستقود عون وفريقه ورئيس “المردة” سليمان فرنجية وقوى أخرى حليفة للخط الإيراني – السوري اليوم، ومن طوائف مختلفة.
يتحسّب “حزب الله” لكل الاحتمالات. وما مِن قوة لبنانية – في المرحلة الراهنة – أكثر دقّة منه في إقامة الحسابات أو مراجعة الحسابات. وربما هو يفكّر في احتمال تكاثف الضغوط على حلفائه الحاليين جميعاً، بمن فيهم عون، واحتمال أن يتغيَّر المناخ – ولو قليلاً- في داخل المعسكر الإيراني ـ السوري. وفي هذه الحال، سيتغيّر كثير من الأمور على الساحة اللبنانية.