أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أنه “من الخطأ الاعتقاد أن طهران انتصرت في المنطقة والوقائع تثبت ذلك كل يوم، وآخر دليل على ذلك هو البيان الذي أدلى به رئيس الوكالة النووية الإيرانية الذي أشار فيه إلى أنهم اضطروا إلى إغلاق محطة بوشهر بسبب العقوبات الاقتصادية. ناهيك عن مؤتمر “وارسو” الذي يعدّ سابقة في المنطقة، وعُقد بحضور أكثر من 40 بلداً، وكان الهدف منه زيادة الضغط على إيران وإضافة إلى ذلك، مصر، التي كانت تتخذ موقفا مرناً تجاه إيران قد تصلبت في مواقفها في الأشهر الأخيرة”.
جعجع، وفي حديث لصحافيين ميشال توما وميشال حجي جورجيو في صحيفة الـ”L’Orient Le Jour”، شدد على أنه “في ما يتعلّق بالنفوذ السوري فعلى الرغم من جميع التطورات التي حدثت على الأرض منذ سنة، يبقى بشار الأسد (الحليف الاستراتيجي الرئيسي لإيران) في توازن غير مستقر”، معتبراً أن “الزيارة التي قام بها أحد الوزراء إلى سوريا للقاء بشار الأسد رسمياً لا تزال تطرح إشكالية، كما ان سوريا لم تعد حتى الآن إلى “جامعة الدول العربية” وهذه الأدلة كلّها تثبت أنه من غير الصحيح أن المحور الإيراني هو المنتصر في المنطقة. فهذا المحور يواجه ضغوطاً هائلة في المنطقة، كما تظهره الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة ضد إيران وحلفائها في سوريا، دون أن يصدر أي رد فعل إيراني”.
وتابع: “فيما يتعلق بالحالة المعينة في لبنان، ومعرفة ما إذا كان المحور الإيراني منتصرا على الساحة اللبنانية، تبطل بعض الحقائق الزعم بأن طهران هي في موقف قوي في لبنان. فقد قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مؤخراً إن إيران على استعداد لتقديم المساعدات العسكرية للجيش اللبناني وتصدير الأدوية، من بين أمور أخرى، إلى لبنان. بعد بضعة أيام على هذه التصريحات، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بيروت، وكرر هذا العرض، لكنه لم يستطع إبرام أي مذكرة تفاهم خلال هذه الزيارة. وبالتالي، كيف تكون الحكومة الحالية حكومة “حزب الله” وكيف يمكن القول إن طهران منتصرة في لبنان؟”.
ولفت جعجع إلى أنه “إذا ما أردنا الذهاب أبعد من هذه العوامل الدورية للتفكير في ما يريده “حزب الله” في لبنان على مستوى الرئاسة أو الحكومة، ولنأخذ على سبيل المثال التنظيم الشيعي المعروف باسم “الحشد الشعبي” في العراق الذي بعد سنة واحدة فقط على تشكيل الحكومة العراقية تم تشريعه وأصبح يشكل إحدى كتائب الجيش العراقي، أما بالنسبة لـ”حزب الله” فهو موجود في لبنان منذ 30 عاماً ولم يتم تشريع الميليشيا التابعة له لا بل أن المسألة غير مطروحة حتى. وعلى عكس ذلك، محور النقاش هو كيفيّة حل وحداته العسكرية فكيف يمكننا القول إذن، إن “حزب الله” هو سيد اللعبة على الساحة اللبنانية”.
وفي ما يلي النص الحرفي للمقابلة:
ولكن هل أُثيرت حقاً مسألة حل وحدات حزب الله العسكرية؟
في معظم الدوائر السياسية، طُرحت هذه المسألة، يقول السيد جعجع. إن الأوساط التي لا تثير هذه المسألة علناً، تطرحها بطريقة غير رسمية. حتى أن التيار الوطني الحر يشير من وقت إلى آخر إلى أرجحية الجيش ولا يشير ابدأ إلى خلاف ذلك” (إضفاء الشرعية على ميليشيا حزب الله).
الهدف الثاني الذي يسعى حزب الله لتحقيقه كما يتضح من بعض وسائل الإعلام القريبة منه، هو تقاسم السلطة وفقاً لمبدأ المثالثة (بين السنة والشيعة والمسيحيين)، وليس على قاعدة التساوي (المسيحي-الإسلامي)”. إذن، لم ينجح حتى الآن في إثارة هذه المسألة علناً”.
إذن، خلافا لما يعتقده الجميع، ليس صحيحاً أن توازن القوى هو لصالح حزب الله. فهناك ما لا يقل عن 70 أو 80 في المائة من الأحزاب السياسية في لبنان تعارض مشروع حزب الله.
“أولئك الذين يعتقدون أن حزب الله قد أصبح سيد اللعبة يرتكزون على نتائج الانتخابات التشريعية. قد تكون هذه النتائج أكثر ملاءمة لو عرف فصيل المعارضة للحزب الشيعي عقد تحالفات حاسمة أكثر. ولقد رأينا التغيرات التي حدثت داخل بعض الأحزاب بعد ظهور نتائج الانتخابات، مما يشير إلى أن أولئك الذين كانوا مسؤولين عن هذه الانتخابات قد أخفقوا في إدارة هذا الملف. لو عُقدت التحالفات بشكل أفضل، لكان بإمكاننا كسب أكثر من عشرة مقاعد إضافية في البرلمان بين تيار المستقبل و”القوات اللبنانية” وهي مقاعد كنا استطعنا انتزاعها من الطرف الآخر. وبالتالي، إن الوعي الذي تمتع به الناس في موضوع تعزيز وجود حزب الله يعود أكثر بكثير إلى الافتقار إلى التماسك على مستوى الفصائل المعارضة للحزب الشيعي، بدلاً من تقوية نفسها كما فعل حزب الله. لا يستطيع ولن يستطيع حزب الله وضع يده على لبنان بسبب الطابع الخاص للبلد “.
في هذا الصدد، تمثل 14 آذار بطريقة ما “حالة ذهنية”، أو مشروعاً سياسياً يستند إلى مبادئ أساسية تناقض تماماً حزب الله. هل لا تزال مكونات 14 آذار ملتزمة بهذه المبادئ الأساسية؟
كل مكونات 14 آذار ملتزمة بهذه المكونات، ولكن كل منها على وتيرتها الخاصة وبدرجات متفاوتة. على سبيل المثال، في لجنة البيان الوزاري، مارسنا ضغوطات لإدخال عبارة تشير إلى ‘حق كل مواطن في الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي في إطار مؤسسات الدولة’. وكان هناك نقاش في هذا الصدد بين مي شدياق وكميل أبو سليمان، من جهة، وعلى حسن خليل، وصالح الغريب ومحمد فنيش، من جهة أخرى، وقد اقتصر الأمر على هؤلاء، بينما لم تقم الأطراف الأخرى بأية مداخلة، إذ كان هدفها الموافقة على البيان الوزاري من دون عوائق. ومع ذلك، في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وأثناء مناقشة العلاقات مع النظام السوري، أتخذت المكونات الأخرى من 14 آذار موقفاً. فالوزير جمال الجراح أدلى بمداخلة مفصلة في هذا الموضوع للتأكيد على معارضته التطبيع مع النظام السوري. أما وزراء الحزب الاشتراكي أرادوا تقديم مداخلة بهذا الموضوع، ولكن الرئيس لم يسمح لهم بالكلام. وبالتالي، لا يزال كل مكون من 14 آذار ملتزم بمكونات 14 آذار، إنما لكل منهم مقاربته الخاصة، تبعاً للظروف. ”
ويضيف: “لتحسين الوضع في هذه المسألة، علينا التمسّك بموقفنا المبدئي. وبالنسبة إلينا، نحن ندرك حقيقة أن لدينا دوراً أساسيا في هذه المسألة لإعادة تأكيد المواقف المبدئية، إلى أقصى حد ممكن “.
وتعليقاً على الخلافات التي تنشأ من وقت لآخر بين “القوات اللبنانية” والتيار الوطني الحر، يقول جعجع إن القوات اللبنانية تعارض مثل هذه الخلافات “لأنها لا تؤدي إلى أية نتيجة وتشكّل عاملا سلبيا، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل حين نتعرّض للهجوم؟ “على سبيل المثال، حين اعترضنا خلال جلسة مجلس الوزراء الأخير على زيارة صالح الغريب إلى سوريا في حين لم تكن الحكومة قد اجتمعت بعد، اتهمونا بأننا ضد عودة النازحين السوريين”. أيمكننا التزام الصمت حين يتهموننا بأننا ضد عودة النازحين؟ نحن ضد التطبيع مع نظام الأسد، ولكن ليس ضد تطبيع العلاقات مع سوريا”.
وماذا عن المصالحة مع التيار الوطني الحر؟ هل تمت على حساب المبادئ الأساسية؟ يجيب جعجع من دون تردد بلا مدوية. “كان هدف هذه المصالحة مع التيار الوطني الحرّ طي صفحة فترة من العداء ليحل محلها جو من التعاون في الحدود التي يسمح بها تحديد المواقع السياسية لكل طرف. ينطبق الأمر نفسه على المصالحة مع تيار المردة. لم يكذب أحد منا على الآخر. أدّت هذه المصالحة مع التيار الوطني الحرّ إلى وجود رئيس للجمهورية في وضع جيّد؛ كما أدّت إلى قانون انتخابي جديد كانت نتيجته أنه للمرة الأولى منذ 40 عاماً، يكون هناك توازن في البرلمان، وتوازن تمثيلي جداً لأنه مع هذا القانون لا يستطيع أحد تشويه اللعبة من حيث الصفة التمثيلية. أدّت المصالحة أيضا إلى تشكيل حكومة يوجد فيها توازن من حيث تمثيل المجتمع من جهة أن الوزراء المسيحيين الخمسة عشرة يمثلون حقاً المسيحيين. إذن، من وجهة النظر هذه، فقد أدّت هذه المصالحة إلى نتائج”.
الآفاق الإقليمية والاستراتيجية السعودية
وفيما يتعلق بالحالة على الصعيد الإقليمي، يشير جعجع إلى أن ‘المواجهة في المنطقة في ذروتها”. هذه المواجهة خطيرة جداً وهي مستمرة، ومن الصعب معرفة إلى ما ستفضي إليه. ولكن ما هو مؤكد، أنه على الصعيد السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، ستستمر هذه المواجهة ضد إيران حتى النهاية. يذهب الرئيس ترامب حتى النهاية في هذه المواجهة، مدعوماً من معظم الدول العربية، بما في ذلك مصر وإسرائيل وحتى الأوروبيين الذين، في الظاهر، لا يجارونه ولكن في الوقائع يشاركون في هذه المواجهة”.
و ردا على سؤال حول الخطوات الأخيرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان باتجاه البلدان الآسيوية الكبرى وحول العواقب السلبية المحتملة لانخراط المملكة العربية السعودية في كفاحها ضد إيران في المنطقة، استبعد جعجع هذه العواقب السلبية، وبالعكس أشار إلى أن هذا الانفتاح على البلدان الآسيوية يهدف إلى خدمة ومرافقة السياسة التي تهدف إلى مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة. “يهدف الانفتاح على باكستان إلى تحقيق توازن استراتيجي مع إيران. أما بالنسبة إلى الهند، يتعلق الأمر بتزويدها بالنفط كي لا يستورد هذا البلد النفط من إيران. مع الصين، توجد جوانب مختلفة تؤخذ بعين الاعتبار “.
وعند التطرق إلى تطور دور السعودية على الساحة المحلية، أكد جعجع أن لبنان لم يعد أولوية قصوى للمملكة العربية السعودية. “من الواضح أنه بالنسبة للمملكة العربية السعودية، إن العراق واليمن هما أكثر أهمية من لبنان، إنها مسألة جدولة للأولويات، إنما لا تزال أنظار المملكة السعودية شاخصة نحو المنطقة.”
يستبعد رئيس حزب القوات اللبنانية استبعاداً تاماً من ناحية أخرى عودة النفوذ السوري إلى لبنان. “لا عودة لسوريا إلى لبنان، قال جعجع. في الواقع لا توجد حتى الآن عودة سورية (للنظام) إلى سوريا نفسها. ومن بين أمور أخرى، لن يقبل حزب الله، بأن يشاطره النظام السوري جزءا من القرار السياسي في لبنان “.
وختاماً، يؤكد جعجع وجود تنافر بين المصالح الروسية والإيرانية في المنطقة.