على من تقرأ مزاميرك دولةَ الرئيس؟

على من تقرأ مزاميرك دولةَ الرئيس؟
على من تقرأ مزاميرك دولةَ الرئيس؟
ليست المرة الأولى التي ينبّه فيها الرئيس نجيب ميقاتي من مغبة استسهال تجاوز الدستور واتفاق الطائف في سياق عملية استعراض العضلات في إدارة الحكم، والتحذير من الإخلال بالتوازنات القائمة والاستقواء بالتعطيل لتحقيق مكاسب وبطولات وهمية، ومنها ما شهدته جلسات مناقشة الموازنة من تجاذبات ومحاولات لمصادرة أدوار وصلاحيات، وغير بعيد عنها محاولة اقتحام السرايا الحكومي تحت عناوين مطلبية، وما تعنيه من إخلال خطير بالميثاقية. 

فالمراوحة الغريبة في إنجاز الموازنة العامة في اللحظات الأخيرة التي كان يفترض أن تنتهي فيها الحكومة من إقرارها بعد 18 جلسة لمجلس الوزراء، تعكس ما يتجاوز ملف الموازنة (التي ستقرّ في نهاية الأمر بعجز يرضي الجهات المانحة في مؤتمر "سيدر" ويقدر بنحو 7 في المئة)، إلى ما هو أبعد. فإصرار وزير الخارجية جبران باسيل على تأخير إقرار الموازنة لمناقشة بنود ورقة أفكاره، يطرح مجدداً هشاشة التماسك الحكومي الذي ظهر خلال مناقشة الموازنة وأثبت مجدداً أنها تسير برؤى متباينة وليس كفريق متجانس، لكنه أيضاً يطرح مجدداً مشكلة اعتماد الشعبوية في مقاربة ملفات حساسة ودقيقة ومرتبطة بمهل ومواعيد والتزامات. 

قد تكون معظم الأطراف السياسية غير راضية عن بعض بنود أو طروحات الموازنة، لكنهم لا يلجأون إلى الشعبويات في التعبير عن مواقفهم، خصوصاً وأن الحكومة عقدت 18 جلسة لمناقشتها، فأي اقتراحات أو أوراق هي تلك التي تطرح بعد نضوج النقاش وقرب انتهاء مفعول قانون الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية نهاية الشهر الجاري، ما يعني ضرورة إحالة الموازنة إلى مجلس النواب. ثم ما الذي منع الوزير باسيل من تقديم اقتراحاته الفذة طيلة فترة النقاش؟ أيضاً وأيضاً ما الذي يمنع أن تطرح هذه الأفكار وسواها على مشروع موازنة العام 2020، خصوصاً وأن وزير المال علي حسن خليل طلب من الوزارات المباشرة بإعداد تصوراتها تمهيداً لإعداد مشروع موازنة العام المقبل؟

إن الضيق الحاصل تجاه مقام رئاسة الحكومة من بعض الأطراف السياسية، كما يحصل في موضوع الموازنة وإدارة مناقشتها (وهي كما سبقت الإشارة ستقرّ حتماً)، وكما حصل خلال فترة تشكيل الحكومة وما سمّي حينها معايير وآليات للتأليف، يكشف بحدّه الأدنى مجازفة إن لم نقل أنه يكشف محاولات ابتزاز أو ضغط أو أكثر من ذلك. فللمرة الألف يجب التنبيه أن الصلاحيات مكرسة وهي إلى كونها ثوابت دستورية، فإنها أعراف وطنية مستقرة لا يستطيع أيّ كان تجاوزها، وعليه من الضروري الكفّ عن تحميل الدستور ما لا يستطيعه، ومن الضروري أيضاً التذكير بأن هذه أمور لا يمكن لألف سببٍ وسبب التنازل عنها أو التهاون فيها أو الانتقاص منها شكلاً أو مضموناً بحجة اختلال التوازن السياسي في لحظة معينة.

في فترة التأليف، برز صوت وطني إلى جانب الرئيس ميقاتي منبهاً من تجاوز الطائف. حينها طرح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط "مخاوف" على اتفاق الطائف، "لناحية الاستهتار بتطبيقه زمن الوصاية السورية، ومن ثم الانشغال بأولويات أخرى بعد زوال الوصاية، وبعد ذلك تعمد الإساءة إليه وتفريغه في زمن الهيمنة"!! أصاب حينها جنبلاط وهو كان لا يريد تحديد الجهة/ جهات المتورطة بالطعن بالطائف، فقط اكتفى بالتذكير بـ "اننا لسنا في نظام رئاسي"، فإما أن تدار شؤون الدولة بضوابط وقيم ونظام مؤسساتي أو يفتح الباب لفوضى لا يعلم أحد أين توصل. وبهذا المعنى إن مسؤلية التنبيه من تكريس أعراف غير دستورية في إدارة الحكم هي مسؤولية كافة القوى السياسية التي تؤمن بالطائف، وعليها واجب الإضاءة على خطورة ما يجري، ناهيك على مخاطر الإمعان في انتهاج الشعبويات في لحظة تعاني البلاد في اقتصادها وماليتها وتنميتها وينتظر العالم الدول المانحة من لبنان الدولة إجراءات جدية في الإصلاح ومواجهة العجز، وفوق ذلك مخاطر طبول الحرب التي تدوّي في المنطقة.. وعدم التنبه لذلك يعكس إفلاساً سياسياً ووضعاً للبلاد على سكة الانزلاق نحو مزيد من الانهيار والتفكك والهشاشة وصولاً إلى ما هو أخطر.

رحم الله البطريرك نصر الله بطرس صفير يوم قال إن الحكومة لا يمكن أن تكون كعربة يجرها حصانان، وكل حصان يسير باتجاه مختلف.. فكيف الحال إذا كان للعربة أحصنة كثيرة؟!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى