أخبار عاجلة
اختبار جديد يكشف عن السرطان خلال دقائق -
أول كلب آلي يحمل قاذفًا للهب في العالم -

فضيحة جديدة مرّت بهدوء...فهل من يكترث؟!

فضيحة جديدة مرّت بهدوء...فهل من يكترث؟!
فضيحة جديدة مرّت بهدوء...فهل من يكترث؟!

تُصدر منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 الذي يُظهر علامة لبنان المتدنية التي نالها في امتحان الشفافية، ولا شيء يحدث! بعض الخجل، بعض الحسرة، بعض الغضب...كلّه شبه غائب. كأن أحداً لا يكترث. أو كأن هذا التقرير لا يعني شئياً ولا يقدم أو يؤخر. أو كأن هذا البلد أصلاً، اعتاد الرسوب في الامتحانات واستسهل تصدير الصور البشعة عنه، مع أنه للمفارقة، دائم الترداد بأنه بلد الحريات والديمقراطيات القليلة المتبقية في الشرق والقوانين والأخلاقيات والأدمغة والأبجدية والحضارة وشجر الأرز الشامخ!

هكذا إذاً، وصمة عار تلتصق بلبنان مجدداً. 28/ 100 علامته، وهي ما انفكّت تلازمه منذ 5 سنوات تقريباً. علامةٌ مخزية، ذلك أنها تدل إلى مستويات فساد عالية في البلد.

هذا العام، توّلى المؤشر تصنيف 180 بلدا وإقليما وفقا لمدركات انتشار الفساد في قطاعها العام استنادا إلى آراء خبراء ومسؤولين في مجال الأعمال، وذلك حسب مقياس يتراوح بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر البلدان الأكثر فسادا في حين تمثل النقطة 100 البلدان الأكثر نزاهة. وتوصل المؤشر هذه السنة إلى أن أكثر من ثلثي البلدان قد حصل على درجة تقل عن 50 نقطة، حيث أن معدل الدرجات بلغ 43 نقطة.

ليس لبنان وحده من يعاني من آفة الفساد إذاً. حاله حال بلدان كثيرة أخرى تفتقر إلى الشفافية. وإذا كان بلدنا قد سجّل هذا العام تراجعاً مقارنة مع العام الذي سبقه (2016) إذ كان يحتلّ المرتبة 136 من أصل 176 دولة في حين احتلّ حالياً المرتبة 143 من أصل 180، فهذا لا يعني أبداً أن الأمور تحسنت.

لماذا؟ وما هي انعكاسات هذا "الرسوب" على البلد وشعبه؟ وما هي الحلول؟!

أسئلة يجيب عليها منسق "المرصد اللبناني للفساد" شارل سابا في حديث لـ "لبنان24"، فيشرح بداية أنّ "منظمة الشفافية الدولية هي مؤسسة عالمية برؤية وأهداف واضحة: عالم خال من الفساد! وتحضر هذه المنظمة بفروعها في أكثر من 100 بلد حول العالم، بما فيها لبنان حيث تتمثل من خلال فرعها الوطني :"الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية (لا فساد)" التي تأسست في العام 1999".

وتتعاون "لا فساد" مع جمعيات أخرى بما فيها "المرصد اللبناني للفساد" الذي يهدف إلى كشف الفساد في الإدارات العامة والصفقات العمومية وفضحه واللجوء إلى المراجع المختصة لمحاسبة مرتكبيه. وبحسب سابا، فإن منظمة الشفافية الدولية بفروعها كافة تضطلع بدور إعداد الدراسات حول الفساد في البلدان المستهدفة وإصدار التقارير المتعلقة بهذا الموضوع.

وقد أُطلق مؤشر مدركات الفساد سنة 1995 ليصبح أحد أهم إصدارات منظمة الشفافية الدولية وأبرز المؤشرات العالمية لتقييم انتشار الفساد في القطاع العام.

لكن كيف تعمل عملياً هذه المنظمة العالمية غير الحكومية، وما هي المعايير التي تعتمدها لتقييم معدلات الفساد؟!

يشرح سابا أنّها تعتمد الكثير من المؤشرات في عملية التقييم، منها على سبيل المثال قدرة الأشخاص المعنوين والطبيعيين في البلد على الوصول إلى المعلومات.

ومن المفارقات أن لبنان كان قد أقرّ في العام 2017 قانون الحق بالوصول إلى المعلومات، لكنّ هذا الأمر لم يكن على ما يبدو كافياً لرفع علامته!

يقول سابا:" إن آليات تطبيق هذا القانون يشوبها الكثير من الشوائب، وعملياً في حال خالفت الدولة اللبنانية اليوم هذا القانون عبر الامتناع عن تقديم المعلومات لطالبها، فهي لن تحاسب كون مرجعية الشكوى، وهي الهئية الوطنية لمكافحة الفساد، لم يقّرها مجلس النواب بعد!".

إحدى المؤشرات الأخرى التي يُنظر إليها هي استقلالية القضاء. لا يستغرب سابا تصنيف لبنان من بين الدول الأكثر فساداً بما أنّ التشكيلات القضائية تحصل في مجلس الوزراء حيث "يوّزع" الوزراء القضاة فيما بينهم! أكثر من ذلك، فإنهي أيضاً الاستنسابية التي يتوسلها القضاء في التعاطي مع الأمور، كأن يتحرك في قضية ولا يفعل في أخرى أو كأن يصدر حكمين مغايرين في قضيتين مماثلتين...، هي أيضاً مؤشر سلبيّ.

الصفقات العمومية هي بدورها من أهمّ الأمور التي تقوم المنظمة بمتابعتها للتأكد من مدى شفافيتها، وفي لبنان يحصل، بحسب معهد باسل فليحان المالي، أن يمرّ 12% فقط من مجمل الصفقات العمومية عبر إدارة المناقصات فيما يُطبخ 88% إما عبر اللجان الوزارية أو الاتفاقيات بالتراضي، وهذا كلّه خارج الأصول.

يتابع سابا:" لقد أنجز البنك الدولي بالتعاون مع معهد باسل فليحان المالي في العام 2012 دفاتر شروط انموذجية، لكن للأسف ما زالت قابعة منذ 6 سنوات لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وحتى الساعة لم يضعها رئيس الحكومة على جدول الاعمال لاقرارها بحيث تصبح إلزامية لكل الادارات والمؤسسات العامة"!

ولعلّ أبرز المؤشرات إلى الفساد أو عدمه هي السياسات المالية التي تعتمد في البلد. لا يستغرب سابا مجدداً أن يحتل لبنان مراتب متقدمة في الفساد طالما أنه ظلّ طوال 12 عاماً من دون موازنة عامة!

لكن ماذا عن العام 2017، ألم يقرّ لبنان موازنته العامة، فلم لم يكن الأمر إيجابياً؟!

يجيب سابا:" نعم، أقرّت الموازنة في العام 2017 أي بعد 12 عاماً من الانفاق خارج الاصول المالية والقانونية والدستورية. لكن كيف أقرّت، ومتى؟! إنه بيت القصيد! لقد ارتكبت الاكثرية النيابية مخالفة دستورية أولى عبر إقرار الموازنة من دون قطع حساب، وثانية عبر إقرارها في أواخر العام أي بعد إنفاق المال! الأخطر أننا ذاهبون في موازنة الـ 2018 إلى المخالفات ذاتها بحيث يتوقع ان تقرّ من دون قطع حساب وفي شهر آذار"!

كلّ هذه العوامل تُرى وتؤخذ بعين الاعتبار لدى دراسة معدلات الفساد. ثمة أمور أخرى أيضاً تؤشر إلى الحقيقة المرّة. يعلّق سابا:" الشمس شارقة والناس قاشعة!"، ويشرح قائلاً:" ماذا يعني مثلاً أن يدخل موّظف دولة (مدير عام، وزير...) بوضع ماليّ معروف إلى عمله ويخرج بعد عام بوضع مالي آخر (مع عقارات وطائرات وأموال لا تأكلها النيران)؟! أليس هذا...فساد؟!"

والمشكلة أنّ مكافحة هذا الأمر في لبنان صعبة، بل تكاد تكون مستحيلة. يشرح سابا:" صحيح أنه لدينا قانون الإثراء غير المشروع، لكنه للأسف مرّكب بطريقة يصعب فيها ملاحقة أحد! هذا القانون الذي ينصّ على أن يصرّح المسؤولون عن أموالهم تناقضه السرية المصرفية التي تمنع الكشف عن الحسابات في المصارف! أكثر من ذلك، فإنه ينصّ على أن يتمتع المدعي بصفة اي ان يكون المتضرر المباشر من الإثراء غير المشروع (وهذا لا ينطبق على مواطن يريد الادعاء على سياسيّ لسؤاله "من أين لك هذا")، وأن يضع كفالة مالية قيمتها 20 مليون ليرة، وي حال تبيّن للمحكمة (وهنا نعود إلى موضوع استقلالية القضاء إذ إن التدخل السياسي قد يلعب دورا) ان لا جرم إثراء غير مشروع، فحينها يتوّجب على المدعي دفع غرامة مالية قيمتها 200 مليون ليرة! باختصار انه قانون لا يفيد ولا يساهم البتة في مكافحة الفساد!

ويلفت سابا إلى أنه من ضمن الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار لدى تقييم الفساد، مثلاً المخالفات الحاصلة في الأسعار والتلزيمات (على سبيل المثال عندما يحدد لبنان سعر معالجة النفايات أو توليد الطاقة من البواخر أو إنتاج الطاقة الكهربائية أو أو...بما يزيد عن السعر الأقصى العالمي).

معايير ومؤشرات وانطباعات ووقائع تُجمع، والنتيجة واحدة: لبنان فاسد! الأسباب متعددة وموّزعة على أكثر من نطاق: النظام السياسي القائم عليه لبنان (وبخاصة النظام المركزي)، القوانين المبتورة وغير الفعالة، الأخلاقيات السياسية العامة، غياب الرقابة الإدارية...

وقد يخال للبعض أن الفساد، كصفر على الشمال، له شكل ووجود لكن لا قيمة وتأثير له. هذا هراء. هذا جنون، بل محاولة بائسة وفاشلة لإنكار الواقع والهروب من الحقيقة وتحمل المسؤولية. الفساد كما يصفه سابا، "هدّام". يطال الجميع بتأثيرات سلبية جداً. يُفقر الشعب ويزيد من جوعه. فالفساد ينعكس حكماً على بيئة الاعمال، فمثلاً قد يمتنع البنك الدولي والمؤسسات المانحة عن تقديم قروض لبلد ليس في موازنة بل فيه فساد! ثمّ أنّ وكالات التصنيف العالمية سوف تعمد إلى تصنيف بلد "فاسد" على أنه دولة ذات مخاطر عالية من حيث الإقراض، ما يدفع بالمصارف المحلية إلى رفع سعر الفائدة!

هذه بعض الأمثلة عن تأثيرات الفساد على الدولة وشعبها. هي كثيرة ومدمرة. في المقابل، الأمل يظلّ قائماً. الأمل في مكافحة الفساد وتنظيف لبنان من "أوساخه" و"أمراضه". وبحسب سابا، الجميع معنيّ بمهمة قتل الفساد، لكن طبعاً ثمة جهات رئيسية معنية أكثر من غيرها. مثلاً الرقابة الإدارية المتمثلة بديوان المحاسبة والتفتيش المركزي. كيف نفعلها في لبنان؟! حسناً، علينا بداية إزالة الثغرة القانونية المتمثلة بإلحاقها بمجلس الوزراء، إذ كيف لأجهزة أن تراقب وتحاسب من عيّنها؟!

يضيف سابا:" من الضروري جداً أن يكون القضاء مستقلاً، ولذلك ينبغي ألا تحصل التشكيلات القضائية في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل كما هي الحال اليوم".

أما تركيبة الحكم في لبنان، فهي بدورها ذات أهمية قصوى. برأي سابا، "فإن حكومات الوحدة الوطنية التي تنسف وجود معارضة وموالاة، لهي من أبرز العوامل التي تحول دون مكافحة الفساد. كيف لكتلة نيابية معينة أن تحاسب وزيراً يتبع لها؟!!"

على أي حال، يقرّ سابا بأنّ عملية مكافحة الفساد تتطلب إرادة ووعيا ونفسا طويلاً وعملاً دؤوباً ومشتركاً، وحتماً تغييرات كثيرة في الكثير من الأمور.

الأكيد أنه لا يجوز ترك الحال على ما هي عليه. بحسب سابا، "الأخطر في مشكلة الفساد في لبنان أنه بات يٌرتكب بوقاحة تامّة. على عينك يا تاجر. تشبيحٌ علنيّ، ومرتكبون قليلو الحياء".

يختم سابا:" ثمة تعريف للسافل. إنه من لا يكترث لما قال، ولا لما قيل فيه"!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟