هذه الـ "فهمك كفاية" صوٌبت بالمباشر نحو وزير العدل ألبرت سرحان ومِن ورائه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في إشارة الى أن سرحان هو من "وزراء العهد"، وبالتالي فإن تعيين المحقق العدلي في حال سلك الملف طريقه الى المجلس العدلي لن يكون حيادياً ،لأن هذا "المحقق العتيد" كائناً من كان قد يخضع لإملاءات الجهة التي إختارته.
"الوزير سرحان المعني مباشرة بهذا الأمر إلتزم الصمت، وهو مسلك عرفه عنه المحيطون به حتى قبل أن يتولى حقيبة العدل يوم كان قاضياً يتدرج في المناصب، وكان آخرها في مجلس شورى الدولة قبل أن يتقاعد منذ نحو سنة وبضعة أشهر."
بهذه العبارة يشرح مصدر قضائي موقف وزير العدل الذي يبتعد عمداً عن دائرة الضوء مفضلاً العمل وفق مبدأ التحفظ المعروف في السلك القضائي، لكن ماذا عن آلية ودور المحقق العدلي وما هو هامش قدرته على التحرك بإستقلالية بعيدا عن الضغوط التي قد تمارس عليه، وهذا الأمر مرجح لا بل مؤكد، كون قرار إحالة أي ملف الى المجلس العدلي يصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء الجامع لكل الأطياف السياسية.
اذا كان وزير العدل هو من يعين المحقق العدلي، فعلينا ألا نغفل موافقة مجلس القضاء الأعلى على هذا التعيين، وذلك سنداً الى المادة 360 من القضاء العدلي، بحسب المصدر القضائي الذي يضيف بأن المحقق العدلي يتولى التحقيق الإبتدائي في الجريمة المحالة أمام المجلس العدلي وهو يجمع في شخصه مهام قاضي التحقيق والهيئة الإتهامية في القضاء العادي، ولديه سلطة واسعة يمكن وصفها بالإستنسابية أو التقديرية.
يبدأ عمل المحقق العدلي بعد إدعاء النائب العام التمييزي بالجريمة موضوع المحاكمة وإحالة الملف اليه.
بعدها يصدر كل المذكرات التي يقتضيها التحقيق من دون طلب من النيابة العامة، وقراراته لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة، كما يحق له استجواب أي شخص يظهر التحقيق إسهامه في الجريمة فيتم إستجوابه بصفة مدعى عليه حتى لو لم يرد اسمه في عداد من إدعت عليهم النيابة العامة.
بعد استكمال التحقيقات، تبدي النيابة العامة التمييزية المطالعة في الأساس ثم يقرر المحقق العدلي إما منع المحاكمة عن المدعى عليه (أو عليهم) وإما الاتهام والإحالة الى المجلس العدلي.
لا يكشف المصدر القضائي سراً عندما يشير الى أن الكثير من الملفات المحالة الى المجلس العدلي شهدت تبديلا أو تغييرا في أسماء المحققين العدليين إما بالتنحي طوعاً من قبل هؤلاء لظروف لا يفصحون عنها في الغالب وإما لإحالتهم الى التقاعد وأحيانا بسبب الوفاة.
نسأل ماذا عن عشرات القضايا التي مضى على بدء التحقيق فيها عقود من الزمن؟
يتحفظ المصدر القضائي في الإجابة لكنه يركز على عامل أساس هو توافر معطيات جديدة لدى المحقق العدلي تسهم في إطالة أمد التحقيق ويعطي مثلا لا حصرا لتوضيح الإجابة: وقعت جريمة بتدعي التي ذهب ضحيتها صبحي فخري وزوجته نديمة في تشرين الثاني 2014. سلكت طريقها الى المجلس العدلي في آذار 2015 بعد إحالتها بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء ليصل الملف الى يدي القاضي سامي صادر بعد تعيينه محققا عدليا في الجريمة، وقد بدأ تحقيقاته في تشرين الأول من العام نفسه أي بعد أقل من سنة على وقوع الجريمة.القاضي صادر ماضٍ من دون كلل في عمله منذ ذلك الوقت الى حين كتابة هذه السطور، لكن ظهور معطيات جديدة مع التوسع في التحقيقات يسهم في إطالة أمدها، ما دفع بالقاضي صادر الى تحديد جلسة لإستكمال التحقيق في 14 من آب الجاري عل رغم العطلة القضائية.
يختم المصدر القضائي بالتذكير بالمقولة الشهيرة:"ثلاثة لا يجب أن يخطئوا:المعجم والطبيب والقاضي...حمى الله لبنان وقضاءه من تعنت ساسته."