الرئيس ميقاتي... التزام بمبادئ التوافق وحرص على الدستور

الرئيس ميقاتي... التزام بمبادئ التوافق وحرص على الدستور
الرئيس ميقاتي... التزام بمبادئ التوافق وحرص على الدستور
شعر من لا يعرف الرئيس نجيب ميقاتي وكأنه يغرد خارج السرب في كلامه الموجه إلى رئيس الجمهورية في حوار أجراه مع صحيفة "النهار" اللبنانية قبيل اتفاق بعبدا الذي طوى حادثة قبرشمون- البساتين وضم الرؤساء الثلاثة الى القياديين المعنيين بالحادثة، وليد جنبلاط وطلال ارسلان.

طوى اللقاء فترة طويلة من التأزم، ساهمت فيها حادثة قبرشمون، وما تبعها من تشنج فاقم عرقلة مسيرة الحكم، وانطلاق الحكومة.


كلام ميقاتي لم يأتِ خارج السياق الذي درج عليه منذ بداية دخوله المعترك السياسي اللبناني، وركيزة هذا السياق جملة مواقف مبدئية، ترسم استراتيجية عفوية للرجل، يمكن تعريفها بالميقاتية لتمايزها عن مختلف طروحات الزعماء السياسيين، والقوى السياسية اللبنانية، وهو لم يخرج عليها ولا مرة واحدة في أدائه السياسي، إن في السلطة أم خارجها.

أولى ركائز استراتيجية الرئيس ميقاتي، إذا جاز التعبير، ودون أولويات، هو الدستور، والحفاظ عليه، وعدم فتح ثغرات فيه من شأنها أن تعيد نكء جراح التوترات، وصولا إلى الحرب الأهلية. فالكل يعرف أن أحد عناصر التعبئة في التوترات الأمنية، والصدامات الأهلية، استنساب تفسير الدستور اللبناني، و توليد اعرافٍ باتت أقوى من النص او محاولة استحداث أعراف لتجاوز هذا النص، ما قد يوحي بأرجحية لفئة على فئات كانت قد سعت في خضم الصراعات الطويلة إلى رفع الغبن، و إقامة التوازن بين المواقع و صون الصلاحيات، توجت بإتفاق الطائف الذي أرسى استقرارًا و توازنًا سياسيًا هو الأسلم حتى اللحظة التي نعيش.
من هذه النقطة بالتحديد، تندرج عبارات الرئيس ميقاتي عندما توجه الى الرئاسة، وليس الى شخص الرئيس، بقوله أنه "عندما تكون رئاسة الجمهورية طرفًا، تنزلق الجمهورية". حتى ولو كان الرئيس ميقاتي يتوجه مباشرة الى الرئيس ميشال عون، فليس من باب العداء، بقدر ما هو من باب الحرص على الرئيس و مقامه كحرصه على المواقع الدستورية كافة.
فالمشهد الذي شهدناه بقصر بعبدا عندما توسط فخامة الرئيس رئاسة السلطه التشريعيه والسلطة التنفيذيه بوجود جنبلاط وإرسلان وكان حكما وضامنا للدستور والمؤسسات حتى القضائية منها إستقام البلد وعادت عجلة المؤسسات إلى طبيعتها بما يضمن مصالح المواطنين.. وعندما بدا كطرفٍ إختل التوازن وتعطلت المؤسسات وعاش البلد تحت ضغوط لا طائل منها أدت إلى تجميد مصالح الناس وإزدياد التوترات وفقدان الثقه الخارجية بمؤسسات الدوله التي تعيش أساسا مآزق.
المغرضون قرأوا في موقف الرئيس ميقاتي، موقفًا منحازًا ضد الرئيس في خضم التجاذب الذي فرضته حادثة قبرشمون. لكن هؤلاء لا يعرفون أن الرئيس ميقاتي لم يخرج عن سياق سياسته المعروفة، التوفيقية، والإصلاحية، والوسطية دون انحياز.

وما يعزز موقف ميقاتي إن في تصريحه الأخير حول الرئاسة، أم في مختلف مواقفه، هو سوابقه، والشعارات التي أطلقها في محطات مختلفة من مسيرته، ومنها الاعتدال والوسطية، ولذلك، كان الرئيس ميقاتي على صلة مع الجميع، لا يقفل خطاً على أي طرف لبناني، بروحية جامعة، توافقية، متزنة تحافظ على البلاد، ووحدتها، وتمنع المزيد من الانقسامات فيها بعد عقود طويلة من الصراعات والحروب، وصولا إلى انخراطه في تشكيل كتلة سياسية شعارها الوسطية، زمن الرئيس ميشال سليمان، وفي مواضع أخرى.

ومن الشعارات الشهيرة التي سجلت للرئيس ميقاتي في مسيرته، هي مبدأ النأي بالنفس عند انطلاقة الأحداث السورية، إذ لا يخفى على الرئيس ميقاتي حساسية الوضع اللبناني انعكاسا لأحداث الاقليم، وخصوصا التطورات السورية- الجار الأقرب. وهو يدرك كم مرة انحاز فيها لبنان لمحور دون آخر فدفع ثمن ذلك أثمانا هائلة، وحروبا اهلية متواصلة، بدءا من ١٩٥٨، عند انحيازه لمحور حلف بغداد رسميا، مما أدى إلى انقسام المجتمع والشارع، وأدخل البلاد بصدامات مسلحة لعدة شهور، مرورا بأحداث ما بعد حرب حزيران ١٩٦٧ مع العدو الاسرائيلي، ثم دخول لبنان متاهة الحرب الأهلية سنة ١٩٧٥، حيث انفتحت الصدامات، ولم تقفل الجراح.

يمكن استعراض العديد من المواقف الميقاتية، منها رفض التجاذبات الطائفية، والتقرب من مختلف أطياف المجتمع اللبناني، وهو الذي صدف أن احتضن في لائحته الانتخابية الأخيرة مجموعة من ممثلي بقية الطوائف اللبنانية، في الوقت الذي تقدم شخصيا على مختلف المرشحين من طائفته، بفارق كبير تأكيدا على تمثيله، أولا، للقاعدة الطرابلسية السنية.
والرئيس ميقاتي لا يتحدث بالطائفية إلا عرضا عندما يكون الحديث متناولا صلاحيات رئاسة الحكومة مثلا، وهنا، يدافع عن موقع الرئاسة الثالثة ليس من منطلق طائفي أو مذهبي، بل من منطلق وطني، وهو العودة إلى النقطة الأولى، أي الدفاع عن الدستور، وعدم المس به منعا لفتح احتمالات عليه، غير محمودة العواقب.

الإصلاح، التطور، المساعدة الاجتماعية، التقرب من الناس وابوابه مفتوحة لهم، وما إلى هناك من مواقف مبدئية لم يحد عنها يوما في أدائه السياسي، إن تؤكد على أمر في ما يتعلق بالموقف الأخير من رئاسة الجمهورية، فهي عدم الرغبة في الدخول بالمهاترات، بل حرصٍ على الدستور، وعلى كل ما من شأنه حفظ البلاد، وأمنها، واستقرارها، والمنتظر من الرئيس ميقاتي سيظهر قريبا ليؤكد أنه لم يكن يوما إلا في السياق الذي اختطه لسياسته، ومنها تقربه من الرئاسة الأولى، على قدم المساواة من بقية الرئاسات، والمواقع، والقوى، والفئات.

(جميل رعد- كاتب وناشط سياسي لبناني)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى