الراعي: الدولة تعيش إنشطاراً سياسياً مميتاً حول تنفيذ الطائف نصاً وروحاً

الراعي: الدولة تعيش إنشطاراً سياسياً مميتاً حول تنفيذ الطائف نصاً وروحاً
الراعي: الدولة تعيش إنشطاراً سياسياً مميتاً حول تنفيذ الطائف نصاً وروحاً
رأى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ "الدولة اللبنانية تعيش انشطاراً سياسياً مميتاً حول تنفيذ اتفاق الطائف نصاً وروحاً". وأمل خلال قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، أن "تُعقد لقاءات مصارحة ومصالحة كالتي حصلت في قصر بعبدا تعم جميع الفرقاء السياسيين، فيحققون فعلياً الوحدة الوطنية، ويثبتون للعالم أنّ لبنان هو حقاً مكان حوار الأديان والثقافات والحضارات". 

وشكر الله على "تجاوز الاختبار الأخير الذي عشناه بمرارة في حادثة قبرشمون والتي عطلت عمل الحكومة لمدة ثلاثة وأربعين يوما، ووترت الأجواء السياسية، وباعدت بين القلوب، وأثرت سلبا على الوضع الإقتصادي والمالي"، وتوجه بالتهنئة للبنانيين عموما والمسلمين خصوصا بحلول عيد الاضحى المبارك.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب" (متى25:12) وفيها: "في إثر شفاء الأعمى - الأخرس واندهاش الجمع، وسوء نظرة الفريسيين ونيتهم، أكد الرب يسوع أن كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت (متى25:12). هذا تأكيد نختبره كل يوم سواء في العائلة أم في المجتمع أم في الدولة. نشكر الله على أننا تجاوزنا الاختبار الأخير الذي عشناه بمرارة في حادثة قبرشمون التي عطلت عمل الحكومة لمدة ثلاثة وأربعين يوما، ووترت الأجواء السياسية، وباعدت بين القلوب، وأثرت سلبا على الوضع الإقتصادي والمالي. فنرجو أن يكون الاختبار الأخير. إنّنا نشكر الله على اجتماع المصارحة والمصالحة وعلى اللقاء الاقتصادي والمالي، اللذين انعقدا أول من أمس في قصر بعبدا. فكان الإفراج عن الحكومة المعطلة إذ عقدت جلستها أمس السبت. فأثبت السياسيون اللبنانيون مرة أخرى أنهم خبراء في خلق العقد والتعطيل وفي حلها وإعادة الحركة. ولكن بعد خسائر ماليةٍ واقتصاديةٍ باهظة تلحق بالدولة والشعب. نصلي كي نشفى نهائيا من هذه العلة مثل ذاك الأعمى- الأخرس".

وأضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، فأحييكم جميعا، وأرحب بنوعٍ خاص برعية مار رومانوس حدشيت العزيزة، وعلى رأسها كاهنها الخوري طوني الآغا القيم البطريركي في هذا الكرسي البطريركي، ورئيس بلديتها والمخاتير، ورئيس جمعية مار رومانوس- سيدني، والجوقة التي تحيي هذا القداس الإلهي،. كما نرحب بفرع كاريتاس- الجبه، برئيستها ومرشدها وشبيبتها، وأشكرهم على خدمة المحبة التي يؤدونها في المنطقة. ونرحب أيضا بوفد رعيتنا المارونية العزيزة في الكويت مع كاهنها الخوري ريمون عيد ومجلس الرعية، وكذلك بالوفد المرافق لرئيس نادي قنوبين وللكاتبة والمخرجة كلود صليبا التي تعمل على إصدار فيلم عن تاريخ الموارنة وحياة القديس مارون. كما ونرحب بأخوية قلب يسوع الأقدس في رعية مار زخيا عجلتون، مرشدا وعمدة وأعضاء".

وتابع: "إننا نحيي اليوم الذكرى السنوية الرابعة لوفاة المثلث الرحمة المطران جورج أبي صابر العزيز على قلبنا الذي كان لسنواتٍ نائبا بطريركيا عاما هنا في منطقة الجبه ودير الأحمر، بعد أن قضى في بداية أسقفيته ثماني سنوات كأول رئيس أساقفة لأبرشية اللاذقية وقد بنى كرسيها الأسقفي الجميل في طرطوس، وقبل أن يُنقل مطرانا لأبرشية كندا. ونذكر معه شقيقه المرحوم فريد. فنحيي العائلة الحاضرة معنا. كما نحيي عائلتَي المرحومَين بولس مهنا وفيليب ياغي من العاقورة العزيزة، وقد ودعناهما معهم: الأول في أيار والثاني في تموز. وفيما نجدد تعازينا الحارة لعائلاتهم، نلتمس من الله في هذه الذبيحة المقدَسة الراحة لنفوسهم في الملكوت السماوي.

يتبين من إنجيل اليوم، الذي سمعناه، أن الناس نوعان: الأوّل، منفتح يرى الخير في الآخرين، ويقر به. وينفتح على سر الله المتجلي في يسوع المسيح وفي الإنسان الآخر. هذا النوع من الناس متمثل في ذاك الشعب الطيب، المؤمن، الحر والمتجرد من ذاته، الذي لما شاهد آية شفاء الأعمى- الأخرس، اندهش وآمن بيسوع ورأى فيه ابن داود الملك المنتظر. النوع الثاني من الناس، متكبر، ممتلئ من ذاته، أناني، لا يستطيع رؤية الخير عند الآخرين، ولا يقر بقيمتهم. هؤلاء لا يرون علامات حضور الله وتجلياته في البشر. وقلوبهم مملوءة كبرياء وبغضا، ويسعون إلى إلغاء الآخر المتميز بأخلاقيته وإمكاناته وقدراته. هذا النوع من الناس متمثل في الفريسيين الذين رأوا في آية شفاء الأعمى- الأخرس عمل رئيس الشياطين. فكان يسوع بالنسبة لهم رئيس الشياطين، "بعل زبول. هؤلاء خافوا من أن يكون يسوع الملك الآتي بحسب مفهومهم السياسي. فخافوا على نفوذهم ومصالحهم الشخصية. في الواقع، هكذا ظنوه فاشتكوه عند الرومان محتلي أرضهم بأنه يجعل من نفسه ملكا، أما ملكهم فهو القيصر. وعندما صلبوه كُتبت فوق رأسه علةُ قتله: "يسوع الناصري ملك اليهود" (يو19:19)".

وقال: "هذه بكل أسف حال رجال السياسة الذين تنقصهم الروحانية والقيم الأخلاقية والإنسانية، والممتلئين من ذواتهم، ويضعون مصلحتهم الشخصية فوق كل اعتبار. هنا تكمن منابع النزاعات والخلافات والإنقسامات والعداوات. لكننا لا نريد هنا أن ندين أحدا. فهذا ليس من شأننا. لكننا ندعو إلى الخروج من الذات كما يردد قداسة البابا فرنسيس، والقيام بالخطوة الأولى نحو الآخر، والسير معا نحو فرح الحقيقة والخير العام. أجل كل بيت ينقسم على نفسه لا يثبت. فكم نشاهد من عائلات، بكل أسف، تتفكك، ويعيش أعضاؤها في بؤس، ويتبدد تراثها، ويذوق أولادها، وخصوصا القاصرين منهم، مرارة خلاف الوالدين وكسر الشراكة الزوجية؟ وكم من بلدات ومدن وقرى تتنافر وتعطل المشاريع الإنمائية، وصولا إلى إسقاط مجالسها البلدية وهيئاتها الرسمية، بسبب الخلافات العائلية والحزبية والسياسية. وقد نبهنا الرب يسوع إلى أن: كل مدينة تنقسم على نفسها لا تثبت"! والدولة اللبنانية التي تعيش انشطارا سياسيا مميتا، ألا يتم فيها قول المسيح: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب؟ لقد بدأ الإنقسام في داخل الدولة عندما لم يتم الإلتزام بالدستور المعدل العام 1990 بوثيقة الوفاق الوطني، المعروفة باتفاق الطائف، لا نصا ولا روحا، في مختلف الجوانب. بل ظهرت ومورست مخالفات له متتالية وأعراف متناقضة، من دون أن تحصن بقوانين تعدله وفقا للأصول. وهكذا بات كل فريق يفسره كما يشاء ووفقا لمصلحته. ولهذا السبب فتح الباب على مصراعيه أمام الخلافات والنزاعات وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية، عند كل استحقاق. وباتت السياسة تتدخل في الإدارة والقضاء والأجهزة الأمنية، فأفسدتها".

وختم الراعي: "إننا في مناسبة عيد الأضحى المبارك، نعرب عن تهانينا القلبية وأخلص تمنياتنا لإخوتنا المسلمين في لبنان والعالم، راجين أن يكون العيد موسم خير وبركات من الله العلي. وكما أنعم الله علينا بلقاءي القصر الجمهوري، السياسي والمالي، اللذين ولدا الانفراج لدى اللبنانيين جميعا، نصلي إليه كي تعقد لقاءات مصارحة ومصالحة مماثلة تعم جميع الفرقاء السياسيين، فيحققون فعليا الوحدة الوطنية، ويثبتون للعالم أن لبنان هو حقا مكان حوار الأديان والثقافات والحضارات. ومعا نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الإله الواحد، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين". 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟