يتقاضى العم ملحم راتبا تقاعديا لا يتجاوز 900 ألف ليرة لبنانية، راتب يعتاش منه مع زوجته بعد تقاعده من الجيش.هو خرج من الخدمة الفعلية منذ زمن، لكن "محبة الجيش" لم ولن تخرج من عروقه، وعلى هذه المحبة تربى أولاده الثلاثة ومعهم أحفاده. عندما تسأله عن المؤسسة العسكرية وعن خدمته فيها طوال عشرين سنة تلمع عيناه بحماسة واندفاع صادقين، أما اذا استرسلت في الحديث معه فقد يعود بك الى حقبة خدمته الفعلية يوم كان في سلاح المشاة، فيخبرك عن معارك مع اسرائيل،الكيان المغتصب، وعن بئر السلاسل وكوكبا وتلة الصديًق وأرزون وعن رفاق سلاح أبطال وعن سياسيين متخاذلين.
"إذا القائد بيدعينا للخدمة، هلق منلبّي النداء" يقول ذلك بفخر وفي عينيه تلمع ومضة صدق رغم معرفته الأكيدة أن وضعه الصحي لا يسمح له بذلك.
هي صرخة جندي متقاعد تتماهى مع الآف الصراخات المشابهة لمواطنين بذلوا الغالي والرخيص في سبيل إعلاء عزة وطنهم، فكان الرد القاسي بالمّس ببعض مكتسبات تؤمن لهم الحد الأدنى من العيش بكرامة بعيدا عن شبح العوز.
العسكريون المتقاعدون جابهوا وواجهوا و"علّوا الصوت" ونفذوا الإضرابات والاعتصامات خلال مراحل دراسة وإقرار الموازنة العامة.حاول السياسيون امتصاص نقمتهم ونجحوا بعض الشيء، لكن الطعنة التي أصابت العسكر بالصميم دفعتهم الى الاتجاه نحو الطعن الجزئي ببعض مواد الموازنة المتعلقة بمخصصاتهم.هم أخذوا وعودا من 33 نائبا بالتوقيع على مطالعة الطعن الخاصة بهم، لكن العدد تراجع الى 11 مع انضمام النائب شامل روكز الى الموقعين أمس،فيما القضاة قدموا طعنا مماثلا بتوقيع 11 نائبا أيضا، من بينهم نواب حزب الكتائب الثلاثة.
غدا هو اليوم الأخير لتقديم مطالعة الطعن أمام المجلس الدستوري،فهل تسلك هذه المطالعة طريقها السوي؟وهل سيقبل المجلس بهذا الطعن الجزئي بالمواد المتعلقة بمكتسبات العسكر؟
"يكون الجندي بطلا عندما تكون القيادة حكيمة"هكذا يردد العم ملحم، وعلى حكمة هذه القيادة يعوّل هو والآف الجنود المتقاعدين لعلها تتمكن من انتشالهم من"بئر سلاسل" قلة وفاء بعض الساسة عندنا.
