أخبار عاجلة

الراعي في عيد السيدة من الديمان: لا بد من وقفة وطنية إصلاحية

الراعي في عيد السيدة من الديمان: لا بد من وقفة وطنية إصلاحية
الراعي في عيد السيدة من الديمان: لا بد من وقفة وطنية إصلاحية
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس عيد انتقال السيدة العذراء في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، عاونه فيه المطران الياس نصار والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا وامين السر الخوري شربل عبيد، وخدمت القداس جوقة بقرقاشا، في حضور قائمقام كسروان جوزيف منصور وحشد من المؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان "تعظم نفسي الرب... وتطوبني جميع الأجيال" (لو1: 46 و 48) وفيها: "تعظم مريم العذراء الله لأنه، وهو العلي القدوس، نظر إلى تواضعها. ونحن نطوبها لأن الله القدير صنع لها العظائم. نشيدها نشيدٌ نبوي أصبح نشيد الكنيسة، ونشيد النفوس التي تنعم بنظرة خاصة من الله والتي تختبر عظائمه فيها وفي تاريخ البشر. ولقد توج الله عظائمه لمريم بنقلها بالنفس والجسد إلى مجد السماء، بحيث لا يعرف جسدها الطاهر فساد القبر، تماما مثل ابنها الإله المتأنس، فادي البشر. فتمت فيها كلمة المزمور: "أنت لا تترك قدوسك يرى فسادا" (مز10:16)".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونُحيي عيد انتقال سيدتنا مريم العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء. وهو أكبر الأعياد المريمية، وهي مكرمة في أكثرية رعايانا. وإني أهنئكم بهذا العيد الذي يشكل أيضًا منتصف العطلة الصيفية، التي نرجوها ملأى بالخير والنعم. وفيما ارحب بكم جميعًا احيي بنوع خاص ابناء بلدة بقرقاشا العزيزة وجوقة رعيتها التي تؤمن خدمة هذا القداس الالهي.إن مريم سلطانة الانتقال هي شفيعة الكرسي البطريركي هنا في الديمان، كما كانت شفيعته في قنوبين، وإيليج ويانوح، وكما هي اليوم شفيعة الكرسي البطريركي في بكركي. فكانت دائمًا العين الساهرة على مسيرة البطاركة في خدمة شعبهم، والرفيقة والشفيعة والملاذ، لاسيما أثناء الظروف الصعبة من تاريخ كنيستنا الطويل".

وتابع: "انتقال السيدة العذراء بنفسها وجسدها إلى السماء عقيدة إيمانية أعلنها المكرم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1950. نقلها الله لتشارك في مجد قيامة ابنها، وتستبق قيامة كل أعضاء جسده، وتواصل من السماء عناية الأم بنا جميعا. إن انتقالها تتويج للعظائم التي صنعها الله لها. ونحن من أجلها نعطيها الطوبى. هذه العظائم تشكل الأسس اللاهوتية للعقيدة. وهي أربعة أساسية، عصمتها من الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى لتكوينها في حشا أمها، إذ كانت معدة في تصميم الله الخلاصي لتصبح أم فادي البشر، ابن الله المتأنس. فكانت عقيدة الحبل بلا دنس التي أعلنها الطوباوي البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأول 1854. أمومتها للاله المتجسد، إذ منها أخذ الجسد البشري، وعلى ذراعيها تربى بعناية يوسف خطيبها وأبيه بالشريعة. عقيدة مريم أم الإله أعلنها مجمع أفسس سنة 431. عذراء دائمة البتولية وهي أم، وأعلنتها الكنيسة عقيدة إيمانية. مشاركتها في عمل الخلاص وآلام الفداء. إنها وسيطة الخلاص من خلال وساطة المسيح الوحيدة. أما تأثيرها على المؤمنين والمؤمنات فينبع من استحقاقات المسيح الفياضة. بفضل مشاركتها في عمل الخلاص وآلام الفداء، أصبحت مريم ايضًا أم المسيح السري الذي هو الكنيسة المولودة من سر موته وقيامته. ولذا تحمل لقب "أم يسوع التاريخي وام المسيح السري وأم الكنيسة".

وقال: "في كرسي قنوبين، في عمق الوادي المقدس عاش البطاركة مدة أربعماية سنة في عهد العثمانيين من سنة 1440 إلى سنة 1830. فلاقوا الضيق والمضايق والاضطهاد والاعتداء. لكنهم صمدوا بالصلاة والصبر والرجاء. فكانت صلواتهم وصلوات النساك في المغاور ترتفع كالبخور من هذا الوادي المقدس نحو السماء، إلى أن كان الانفراج، فانطلقوا في رسالتهم متحدين كل الصعاب، يقينا منهم أن مريم بانتقالها إلى السماء لم تغادر أرضنا. ومن سمائها ترافق بنيها المسافرين في بحر هذا العالم، وتحميهم من أمواجه وعواصفه ورياحه كلما هبت على سفينة حياتهم ومجتمعهم وكنيستهم. فأصبحت لهم المرجع والملاذ".

أضاف: "في عيد سيدة الانتقال، كان البطاركة يحتفلون في قنوبين بقداس العيد بحضور أعيان البلاد المعروفين بالمقدمين، والأساقفة، وقناصل الدول. وكانوا يوجهون ويقودون الجماعة المارونية، المعروفة "بالأمة المارونية" في الوثائق البابوية، في سعيها إلى تقرير مصيرها في هذا الشرق على ثوابت ثلاث: الأمن والحرية والخصوصية. وفي الوقت عينه تعمل، انطلاقا من فكرها المسيحي على العيش مع الآخرين والتفاعل معهم، حتى تجسد هذا الخيار التاريخي في قيام دولة "لبنان الكبير" في أول أيلول 1920، واكتمل بالاستقلال التام والميثاق الوطني سنة 1943، فكان لبنان وطن التعددية الثقافية والدينية في وحدة وطنية، ومنارة الحريات المدنية العامة والديمقراطية في هذا المحيط المشرقي. لكن هذه الخصوصية اللبنانية التي كانت فاعلة كخميرة في هذا الشرق، قد أصيبت بانتكاسات أهمها النقص في الولاء الوطني؛ ورهن الشراكة الميثاقية تدريجيا بالعدد لا بالتعددية، وبالسلاح لا بالشرعية، وبعروبة هوية لبنان لا بلبنانيتها؛ ثم الالتحاق بمشاريع إقليمية مناقضة للمشروع اللبناني. فلا بد من وقفة وطنية إصلاحية تحيي لبنان في جوهر كيانه وصيغته ودوره ورسالته، لكي تستعيد ميزة التعددية والانفتاح والروح الديمقراطية وأخلاقية التعاطي والممارسة مكانتها، ولكي يستعيد العيش المشترك المسيحي الإسلامي رونقه وجماله ورسالته في هذا الشرق وفي العالم".

وتابع: "عيد انتقال مريم بنفسها وجسدها إلى السماء هو عيد كرامة الإنسان بنفسه وجسده، وعيد قدسية الحياة البشرية والشخص البشري. ولذا تواصل الكنيسة صرخة الإنجيل وتندد بكل اعتداء على هذا الإنسان، أيا كان نوعه، اعتداء روحيا أو معنويا أو عينيا أو جسديا. فإلينا تصل باستمرار صرخة المشتكين والمظلومين والمحرومين والمستضعفين والمعتدى عليهم والخاضعين للضرب والتعذيب. وإنا عندما نعلي الصوت فلا نرتكز على إفادات زور بل على حقائق موثقة، ونطالب المسؤولين المعنيين بالاطلاع على ما يجري عندهم، ويصلحوا الأمور. فالنظام السياسي في لبنان ليس نظاما ديكتاتوريا ولا نازيا ولا قمعيا".

وختم الراعي: "يا أمنا مريم العذراء، بانتقالك إلى السماء، تواصلين أمومتك لجميع البشر، وتشفعين بالجميع لينالوا الخلاص الأبدي، فأنتِ المحامية والمعينة والشفيعة والوسيطة. ونحن من وادي دموع أرضنا نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس الذي اختارك وتوجك، يوم انتقالك، ملكة السماء والأرض، الآن وإلى الأبد، آمين".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى