اقتصاد لبنان: بين تطبيق حالة الطوارىء فعلاً لا قولاً... أو الانهيار

اقتصاد لبنان: بين تطبيق حالة الطوارىء فعلاً لا قولاً... أو الانهيار
اقتصاد لبنان: بين تطبيق حالة الطوارىء فعلاً لا قولاً... أو الانهيار
خلص حوار بعبدا الاقتصادي أمس إلى إعلان حالة طوارئ اقتصادية والاستمرار في سياسة استقرار سعر صرف الليرة وخفض عجز الكهرباء والاسراع في تنفيذ المشاريع الضرورية من برنامج الاستثمارات العامة ارضاء للمؤسسات الدولية، والدول المعنية بمؤتمر "سيدر" وقلقا من تصنيف "ستاندرآند بورز". 

على مدى الأسبوعين الماضيين التقت لجنة من الخبراء (عبد الحليم فضل الله، غازي وزني، شربل قرداحي، مازن سويد، وروي بدارو) بدعوة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبحضور وزيري الاقتصاد منصور بطيش وشؤون التكنولوجيا عادل أفيوني، ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان؛ ورغم أن الدعوة وجهت للخبراء بصفتهم الشخصية، فإن اختيارهم استند إلى تمثيلهم لأحزابهم.


أعدت هذه اللجنة ورقة شكلت المادة الأساسية لما جرى بحثه خلال اجتماع بعبدا الاقتصادي امس؛ فالوجهة التي حكمت نقاشات الخبراء تمثلت بضرورة إقرار إجراءات فاعلة وواقعية تستحوذ على التوافق الوطني، بعدما تضمنت ورقة الرئيس سعد الحريري التي قدمها للأحزاب الأساسية قبيل مناقشة موازنة العام2019 بنودا خلافية وإشكالية. فالاجراءات التي يكرر الحريري تسميتهما بالقاسية، والتي تعذر تمريرها في العام 2019 جرى ترحيلها إلى العام المقبل بهدف تمريرها في موازنة العام 2020 وما يلي.

إن أبرز النقاط التي ظلت محل انقسام وطني هي تخفيض رواتب القطاع العام 15 في المئة، زيادة 5000 ليرة على البنزين، ورفع TVA إلى 15 في المئة. وفي واقع الحال بدا من خلال النقاشات التي سادت قبيل موازنة العام 2019 أن "التيار الوطني الحر" وتيار"المستقبل" يتبنيان هذه المطالب، في حين لم يظهر أي موقف متشدد لوزير المال علي حسن خليل في رفضها، بيد أن "حزب الله" في المقابل اتخذ الموقف المعارض بتطرف لهذه الاجراءات.

الجديد في المشهد اليوم أن ورقة الخبراء التي رفعت إلى الرئيس عون قاربت هذه المسائل الخلافية بطريقة مختلفة سعيا لتوفير الغطاء الوطني فاستبدلت حسم رواتب القطاع العام باقتراح تجميد الزيادات على رواتب القطاع العام لمدة 3 سنوات على أن يمنح موظفو القطاع العام هذه الزيادات بعد انقضاء السنوات الثلاث، كما أنه جرى اقتراح بديل لزيادة  15 في المئة  على الـ TVA من خلال حصر الـ 15 في المئة بالسلع الكمالية فقط و 11 في المئة على السلع غير المعفاة والمعتبرة من غير الكماليات. أما في ما يتعلق بزيادة 5000 ليرة على صفيحة البنزين فجرى استبدالها بتحديد سقف أعلى وسقف أدنى لسعر صفيحة البنزين، الأمر الذي يتيح للدولة الاستفادة من هبوط أسعار النفط؛ كل ذلك بالاضافة  إلى أن الورقة تضمنت الدعوة إلى إعادة جدولة خدمة الدين بالتعاون مع المصارف التجارية والبنك المركزي. 

من المفترض لهذه الورقة بعد اجتماع بعبدا أن تطلق اتجاها متسارعا في النقاش على مسارين متوازيين لكنهما باتا متداخلين وهما المسار المالي والمسار الاقتصادي.

المسار المالي يتعلق بموازنة العام 2020 للمزيد من تخفيض العجز من 6.7 في المئة الى 4.5 في العام 2020،  فضلاً عن بنود اخرى لعل ابرزها التفاهم  بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف التجارية، لخفض خدمة الدين العام.

المسار الاقتصادي يتصل بالحلول العميقة للأزمة القائمة بهدف معالجة الاختلالات وتحفيز قطاعات الانتاج وإعادة النظر بالنموذج الاقتصادي اللبناني وإقرار الأولويات الواجب المباشرة باعتمادها في الزراعة والصناعة والسياحة واقتصاد المعرفة والقطاع المالي، وهذه الموضوعات ترتبط بمناقشة خطة ماكينزي التي أعدت بناء على طلب دوائر القصر الجمهوري بالتعاون مع وزير الاقتصاد السابق رائد خوري، فضلاً عن المستشارة الأولى لرئيس الجمهورية ميراي عون الهاشم التي لعبت الدور الأساس في متابعة هذا الموضوع، فضلاً عن المباشرة بتنفيذ مشاريع برنامج الاستثمارات العامة (سيدر) مع الأخذ بعين الاعتبار جدواها المالية والاقتصادية والاجتماعية، وانجاز خطة الكهرباء.

ومما تجدر الاشارة إليه في هذا السياق، إلى أن اكبر العقد التي تقف أمام التقدم في معالجة المسار المالي تتمثل بموافقة المصارف التجارية على إعادة جدولة ديونها المستحقة لآجال أطول بفوائد أقل؛ علما أن ما وعد به الوزير خليل في موازنة العام 2019 من أن تفاهما حصل مع المصارف للاكتتاب بـ 11 الف مليار بفائدة 1 في المئة لم يحصل لغاية اللحظة، الأمر الذي سيتسبب بخلل في حسابات الإيرادات المتوقعة لموازنة العام 2019 وسيؤدي مجدداً إلى رفع العجز في الموازنة، لكن الغريب أن الجميع يغض الطرف عن هذه المشكلة رغم خطورتها. وليس بعيدا فإن المطلعين  على ورقة الخبراء يرون أن لقاء بعبدا نسف  الكثير من بنودها وذهب إلى معالجة الأزمة وفقا لسياسات لا تمس إلى الإصلاح بصلة وبعيدة كل البعد عن إعادة هيكلة القطاع الاقتصادي وإجراء إصلاحات بنيوية.

وليس بعيداً، فإن العقدة الأكبر أمام المسار الاقتصادي تكمن، بحسب الخبراء الاقتصاديين، في الحاجة إلى إعادة النظر في اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقيات التيسير العربية التي تحرم لبنان من عائدات جمركية كبيرة في ظل عدم تكافؤ خطير في ميزان التبادل التجاري.

وتأسيساً على ما تقدم، يجمع الخبراء والمعنيون على أن امام لبنان أشهرا حاسمة على المستوى المالي؛ فإما تذهب الحكومة فعلاً  إلى تطبيق حالة الطوارىء الاقتصادية كما ورد في الورقة الرئاسية وتنصرف بصورة كاملة إلى وضع الأزمة الاقتصادية على سكة المعالجة وإما الانهيار أتٍ لا محالة في النصف الثاني من العام 2020.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى