إعتقد اللبنانيون، الذين ينعمون بالأمن والإستقرار بعدما دحر الجيش شبح الإرهاب الآتي من الخارج، وهو لا يزال يطارد ذئاب الداخل المنفردة أو ما يسمى ببقايا الخلايا النائمة، أن شبح الحرب ولى من دون رجعة، وهم لا يزالون يرددون في ذكرى كل 13 نيسان "تنذكر وما تنعاد".
صحيح أن الأجواء العامة تعيد اللبنانيين إلى أجواء الأيام السوداء، ولكن الصحيح أيضًا أن لبنان لا يزال ينعم بإستقرار أمني داخلي نسبي لا بأس به، وذلك بفضل سهر الأجهزة الأمنية على الأمن، على رغم بعض المحاولات لجرّ لبنان إلى قلب أتون المنطقة، بعدما نجح بعض الأطراف اللبنانيين، ومنذ إندلاع شرارة الحرب في سوريا، في منع الإنزلاق إلى المكان الذي لا تُحمد عقباه.
لو سئل اللبنانيون عن رأيهم في كل ما يجري لوجدنا الجواب نفسه بين أهل الجنوب والشمال والبقاع والجبل والساحل، وهم الذين يريدون أن يعيشوا بسلام، على رغم أن ما يقلقهم هو واحد، إذ يتخّوف الجميع من إنعكاسات الوضع الإقتصادي على حياتهم اليومية، في غياب الحلول، وإن وجدت تكون دائمًا على حسابهم ومن حسابهم، وهذا ما يجعل الناس متخوفة مما هو آتٍ، وهو يبدو عظيمًا، قياسًا إلى بعد الظواهر، التي قد تتصاعد في حال لم تُتخذ تدابير حاسمة، أقله بالنسبة إلى تفلت سعر صرف الدولار من عقاله، وبالتالي إختفائه من الأسواق، الأمر الذي يزيد من قلق من هم قلقون في الأساس، ولا ينقصهم همّ على همٍ.
فالحرب الإقتصادية التي قررت الولايات المتحدة الأميركية شنّها ضد إيران وحلفائها، وبالأخص "حزب الله" ومن يدور في فلكه أو يدعمه قد بدأت تفعل فعلها، إذ انتقلت عدى فقدان الدولار من الأسواق الإيرانية إلى لبنان، إذ أختفى الدولار من أسواقه بسحر ساحر وبين ليلة وضحاها، وهذا ما دأب الرئيس نبيه بري على التحذير منه، وهو الذي ابلغ من التقاهم من المسؤولين الأميركيين أن العقوبات التي تتخذها الإدارة الأميركية ضد "حزب الله" لن تقتصر مفاعيلها على الحزب فحسب، بل ستطاول جميع اللبنانيين.
وقد يتساءل المتسائلون عن التناقض في الموقف الأميركي، الذي يدعو من جهة إلى الحفاظ على الإستقرار في لبنان، وفي الوقت نفسه يشّن عليه حربًا إقتصادية، بالتزامن مع سعي الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ شروط "سيدر" في الإصلاح المالي والإداري، تمهيدًا للإفراج عن المشاريع المقررة للبنان، والتي تبدو وكأنها خشبة خلاصه الوحيدة.