خطاب 'الرتش' العوني أو الخطاب العوني 'الرتش'..

خطاب 'الرتش' العوني أو الخطاب العوني 'الرتش'..
خطاب 'الرتش' العوني أو الخطاب العوني 'الرتش'..
على العونيين أن يفهموا، أو على من يقودهم أن يفهمهم أنهم اليوم حكّام هذا البلد وليسوا مستعمرين يحتلونه، وأنهم في هذا البلد مجتمع متنوع طبقياً وإجتماعياً، وأن العدائية المفرطة والفوقية المبالغ فيها للدفاع عن فكرة أو عن نهج لن يؤدي إلاّ إلى إظهارهم غرباء عمن حولهم.

في معاجم اللغة العربية يصعب إيجاد معنى حقيقي لمفردة "رتش" التي بات يستخدمها العونيون لوصف كل من ينتقدهم أو يخالفهم أو حتى يناقرهم، لكن العبارة تختزن الكثير من المعاني الإجتماعية، في اللغة العامية يُقصد بـ"الرتش"، الهمج والرعاع من الناس، أي اؤلائك الذين لا يرتقون ليكونوا بمستوى واصفهم الإجتماعي، السلوكي، الفكري وحتى الشكلي.


المشكلة في خطاب العامة من العونيين أنهم يصفون الجميع بـ"الرتش"، كل من يخالفهم يُصبح "رتشياً"، الفقير الذي يتظاهر إحتجاجاً على الوضع المعيشي بات من الشعب "الرتش"، علماً أن من بين العونيين فقراء. المعارضون اللاذعون وغير اللاذعين هم من الشعب "الرتش"، علماً أن التاريخ العوني كله معارضة. الطامحون لوظيفة دولة من الشعب هم "الرتش"، علماً أن جزءًا لا بأس به من العونيين هم من الطبقات الوسطى الراغبين بوظائف في الدولة. العونيون يشبهون المجتمع الذين يصفونه بـ"الرتش" لكنهم تماهوا مع ممثليهم في الحكم، فظنوا أنهم النخبة، بمنأى عن الفقر والازمات والإنهيارات، بات يشعر العاطل عن العمل منهم أنه من المتمولين الميسورين أصحاب الأموال التي لا تأكلها النيران فخافوا أن يأكلها الجياع. الجياع أيضاً والذين ينبشون في حاويات القمامة، هم في المفهوم الفوقي من الشعب "الرتش"، الذين يشوهون النموذج المُبهر في الحكم.
ليس مطلوباً من العونيين أن ينتزعوا ثقتهم بزعمائهم، أن يتخلوا عن صبرهم الإستراتيجي تجاه الأزمة "لأن أملهم بحكام اليوم كبير"، وهذا حقهم، لكن يجب على أحد ما في مكان ما أن يطلب من الفقراء والموظفين والطلاب العونيين أن يضعوا انفسهم مكان العاطلين عن العمل والمحرومين من وظيفة، والفقراء الذين تفرض عليهم الضرائب، والذين في الوقت نفسه لا يثقون بأحد. لا برئيس ولا بزعيم ولا بسلطة، من حقّ هؤلاء أن يعترضوا ومن حقهم أيضاً أن يمارسوا إعتراضهم بما يتناسب مع وعيهم الإجتماعي والطبقي.

عليهم أن يعوا أن الذي يعارضهم، وإن كان مسلماً، لا يعارضهم لأنهم مسيحيون، ولا يفيدهم أبداً إستعادة خطاب طائفي نشأت ونمت الحالة العونية بسبب معارضته. عليهم أن يعوا أن من يعارضهم إن كان فقيراً لا يعارضهم لأنهم أغنياء (وهم ليسوا كذلك) وليس مفيداً هنا أيضاً إستعارة خطاب طبقي من بعض مسؤوليهم لإستعماله...

"الرتش" أيضاً لغوياً هم من يمكن وصفهم بقلّة التنظيم، والعشوائية، والذين يعملون ضدّ مصالحهم في معرض دفاعهم عنها، ومن هنا يصبح السؤال مشروعاً عما إذا كان دفاع العونيين عن "الإنهيار" يفيد خطهم السياسي أم يضره؟ يبرر الأزمة المتجذرة في النظام اللبناني منذ ما قبل الحكم العوني بعشرين عاماً أم أن الهجوم الغوغائي على المعارضين يجعل من المدافعين سبب الأزمة الأوحد أمام الرأي العام؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى