هذه التـركيبة القائـمة على توازنات دقيقة بيـن زعماء الطوائف، وعلى الـمحاصصة وتقاسـم السلطات، فرضت أن يكون القرار السياسي قراراً جـماعياً لا يعالـج الـمشكلات جذرياً، فأخفقت الطبقة السياسية الـحاكمة فـي إيـجاد الـحلول لـما تعانيه البلاد من أزمات على كل الصّعُد.
لبنان فـي خطر حقيقي، وأبناؤه قلقون وخائفون من الآتـي، ليس فقط بسبب الوضع الإقليـمي الـمتفجّر والسلاح غيـر الشرعي الـمتفلّت، ولا بسبب وضعه الإقتصادي والـمالـي وارتفاع سعر صرف الدولار وازدياد نسبة الفقر والبطالة، ولا بسبب تلوّث مياهه وبـيـئـتـه واهتـراء بـنـيـتـه التـحتيّة .. بل بسبب رعونة زعمائه ومسؤوليه، الذيـن يـحاولون التـملّص من مسؤولياتـهم وتقاذف التّـهم وتـحميل الطرف الآخر المسؤولية عن تردّي الأوضاع الـحياتية والـمعيشية والـمالية وفشل تنفيذ الإصلاحات الـمطلوبة لإنقاذ البلد من الإنـهيار.
فـي الـحقيقة، وضعنا الـحالـي ميؤوس منه، بفضل هذه الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، وهذه "التـركيبة" الـمتناقضة التـي تـحكم البلاد. إنّـها مـجموعة قبائل جـمعتـها الظروف والأقدار فـي وطن واحد، وأطلقت على إجتـماعها ما يُسـمّى "العيش الـمشتـرك". فكل قبيلة تعتبـر زعيمها وقائدها قديساً أو نصف إله، وهذا الزعيـم لا يُـمكن أن يُـخطئ أو أن يكون فاسداً أو سارقاً أو عميلاً أو مُستـزلـماً أو شعبوياً أو "مصلحجياً"، وحده الـمُنقذ والـمخلِّص الذي يعمل لـمصلحة الوطن.
إن كان مع إيران، فـهو على حقّ، وإن كان مع السعودية، فـهو على حقّ، وإن كان مع سوريا، فـهو على حقّ، وإن كان مع أميـركا، فـهو على حق. أمّا إذا كان مع لبنان، وفقط مع لبنان، فـهو عميل لإسرائيل وللصهيونية العالـمية.
مصائبنا ليست وليدة الأمس، رافقتنا قبل الإستقلال وبعده، وقبل وجود منظمة التـحرير الفلسطينية وبعدها، وقبل الوجود السوري وبعده. فعلى رغم الإزدهار الذي حصل فـي عهد الرئيس كميل شـمعون، إنتـهى عهده بثورة، وعلى رغم الإصلاحات التـي حصلت فـي عهد الرئيس فؤاد شهاب، فقد عارض الكثـيـرون التـجديد له وانتقدوه بسبب رجال "الـمكتب الثانـي".
وعلى رغم التوافق على مـجيء الرئيس ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، فقد انتـهى عهده بالإختلاف على "إعلان بعبدا" وعلى الـحياد عن الصراعات الإقليمية. لـم يُـحسِن زعماؤنا بناء دولة لأنـّهم تلهّوا، كما يـحصل اليوم، فـي الـمحاصصات وفـي تبادل الإتـهامات وتقاذف الـمسؤوليات.