كتب أسعد بشارة في "الجمهورية": قد يتساءل أيّ مراقب لماذا عقد مؤتمر المسيحيين العرب مؤتمره الصحافي في هذا التوقيت وفي العاصمة الفرنسية باريس، فيما كانت تشتعل العواصم العربية بالتظاهرات السلمية التي تخطّت بمطالبها جميع التوقعات المتفائلة، إذ شكلت موجة ثانية من الثورات السلمية التي لم تنجح الانظمة في قمعها هذه المرة، ولا في جرّها الى المنحى العسكري أو الطائفي أو شرذمتها؟
هل كان التوقيت ظالماً في حق المؤتمر؟ يقول الدكتور فارس سعيد انّ العكس هو الصحيح. ففي وقت يمر الشعب اللبناني في مرحلة انتقال تاريخي بين حقبة انتهت، وأخرى بدأت مبشّرة بعصر المواطنة والدولة المدنية وهَدم جدران الحرب الاهلية الى الأبد، تجتمع شخصيات مسيحية واسلامية على قواسم مشتركة كبيرة، وتمهد لعبور دولنا الوطنية التي رزحت تحت نير الاستبداد لعقود وعقود، من أسر الولاءات الطائفية والزعامات والأحزاب المحنّطة، الى أفق جديد يعلن بدء رحلة الدولة المدنية والوطنية، والى عروبة حضارية تجمع ولا تفرّق، تحتضن أحلام الشباب العربي بالحرية والمواطنة والديموقراطية، وتنظّم علاقة المجموعات المختلفة، سواء منها الاغلبية السنية او الأقليات الخائفة، التي آن لها ان تخرج من وهم تحالف الأقليات الذي تستثمره ايران، وتغري به بعض الأقليات بمستقبل أفضل وبغلبة هي الوجه الآخر لانهزام أكيد، ناتج من هذا الخيار الانتحاري الذي يستجدي الحماية ووهم القوة، من تدخّل خارجي، ومن تحالف أقليات أثبتت التجارب التاريخية انه مجرد لعبة ميسر خاسرة.
كان الحضور في مؤتمر باريس فاعلاً ومؤثراً، فالحضور الرسمي الفرنسي والفاتيكاني كان شاهداً على لغة وخطاب ربما لا يحظى برواج لدى غالبية المسيحين، لكنه الخطاب الذي يحوّل القلق الى رؤية، والمأزق الى طريق باتجاه الخروج من نفق أوهام تاريخية، لم يعد لها مكان بعد الثورات السلمية التي تشهدها البلدان العربية، التي أعطت المسيحيين مكاناً ريادياً لم يحسنوا استثماره.