الترهيب لن يخيف إنتفاضة الشارع... إنه الأوكسجين!

الترهيب لن يخيف إنتفاضة الشارع... إنه الأوكسجين!
الترهيب لن يخيف إنتفاضة الشارع... إنه الأوكسجين!

إذا كان البعض يظن أنه بالتهديد والتهويل والتكسير والتشبيح قادر على إخماد إنتفاضة 17 تشرين الأول فهو واهم ومغشوش، لأن الذين نزلوا إلى الشوارع بدوافع ذاتية لن ترهبهم أساليب بالية ومستوردة، وهي لا بدّ من أن تنقلب عليهم، تمامًا كما ينقلب السحر على الساحر، وهم يعتبرون أن هذه الأعمال الغريبة عن التقاليد اللبنانية هي محفزّات إضافية للبقاء في الساحات، بعدما أقلعوا عن فكرة إقفال الطرقات، لأنهم قادرون على إسماع أصواتهم بألف طريقة وطريقة حضارية، وهم يؤكدون أيضًا أن هذه الأساليب الترهيبية التي تمارس عليهم إنما هي بمثابة الأوكسجين لإستمرارية الإنتفاضة في نضالها وسعيها من أجل محاسبة كل من ساهم في إفقار الشعب، الذي قرر أخيرًا النزول إلى الساحات والمطالبة بحقوقه المشروعة وبإسقاط كل هذه المنظومة التي أوصلت البلاد والعباد إلى ما وصلوا إليه.

فما شهدته الساحات في منطقة الرينغ والوسط التجاري وصور وبعلبك وطرابلس وبكفيا وعين الرمانة في اليومين الماضيين من أعمال تخريب وتكسير وتهديد المتظاهرين كانت له ردّات فعل عكسية من قبل المنتفضين بمزيد من التصميم والإصرار على البقاء في الساحات والتمسك بحقهم الشرعي بالتظاهر، وهذا ما كفله الدستور، والمطالبة بشراسة أكبر بتحقيق ما يصبون إليه، وهم مصممون على ألاّ يتركون الساحات، وهم في الأساس لم ينزلوا إليها للخروج منها عند أول إمتحان، لأنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب حقّ، ومن كان الحق إلى جانبهم لن يرعبهم تهديد أو تهويل أو حتى ممارسات شاذة، وهم يتكلون على القوى الأمنية لحمايتهم من تعديات أهل الشارع الآخر، أو من المندسين من خارج الأحزاب.

فما حصل في عين الرمانة أعاد إلى الأذهان صورًا بشعة عن حرب عبثية لم تؤدِ سوى إلى الكوارث، وهذا ما رفضه في اليوم التالي أهالي كل من عين الرمانة والشياح، حيث نزلت النسوة على الأرض بالورود والأرز، رافضات وبقوة العودة إلى أجواء حرب الـ 75، لأنهن عانين منها الأمرين وفقدن فلذات الأكباد، وقد أعلنّ بالفم الملآن رفضهن أن يجرهن الغرباء عن هاتين المنطقتين المتجاورتين إلى الفتنة مجدّدًا.

وهذا ما حصل في طرابلس أيضًا وفي صور وفي بعلبك والنبطيه وقبلها في منطقة الرينغ وساحة الشهداء، حيث حُركت أدوات الفتنة، التي يرفضها الجميع، من كلا الطرفين، وقد أدّى الوعي الشعبي وحرص القوى الأمنية على الحفاظ على الإستقرار مهما كانت التضحيات كبيرة إلى وأد الفتنة ونبذ كل من يحركها أو يحاول الإصطياد في المياه العكرة، وهذا ما يعطي الإنتفاضة مزيدًا من أسباب الصمود في وجه كل المحاولات، التي تهدف إلى تشويه صورتها وحرفها عن أهدافها وجعلها أسيرة ما يُخطّط لها وما يحاك لها من مؤامرات.

فمنطق القوي بالمفهوم السطحي للكلمة ليس هو دائمًا الأفضل، على عكس ما جاء في حكاية لافونتين من حوار بين الذئب والحمل، بعدما أتهم الأول الثاني بعوكرة مياه النبع، مع أنه موجود في اسفل الجدول، ليخلص الذئب كتبرير لما يخطط له إلى القول إن أحد اجدادك هو من عكّر هذه المياه.


اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى