الأمن ليس مكسر عصا للموتورين!

الأمن ليس مكسر عصا للموتورين!
الأمن ليس مكسر عصا للموتورين!
نحن شعوب عاطفية. هذا الأمر لا ينطبق علينا فحسب. إذ أن هناك تجارب سابقة بينت لنا أننا نحن العرب ننساق بعاطفتنا إلى التفاعل مع أي حدث، أو مقاربة أي أزمة.

اليوم جاء دور اللبنانيين. بإمكاننا أن نختصر الصورة بما يلي:

شعب يعيش أزمة معيشية حادة تقود إلى تدهور ربما، لا سمح الله، يودي بنا إلى ما يشبه المجاعة. لا يوجد ثقة بالطاقم السياسي الموجود. خرجت تظاهرات رافضة لكل السياسات ورموز وأتباع السلطة الحالية. وجد الناس أنفسهم في مواجهة القوى الأمنية والجيش.


ردّ الفعل كان مزيجاً من الغضب والإستهجان والتعاطف. وتخلل ذلك دعوات مباشرة للجنود للإنضمام إلى المتظاهرين وحمايتهم (إنتشرت مقاطع فيديو كثيرة)، وصولاً إلى تلك التي طالبت قيادة الجيش القيام بإنقلاب على السلطة، لتحكم هذه المؤسسة البلد وتعيد للبنانيين ما خسروه على مدى عقود.

ردود الفعل في جلّها تنمّ عن سيادة العاطفة وتغييب العقل، وأحياناً تفصح عن جهل كبير بالدور المنوط بالقوى الأمنية القيام به وتنفيذه. تماماً كما تفصح الآراء الكثيرة حول طبيعة الحلول المتوقعة لإصلاح الواقع السياسي والإقتصادي.

فكما أن المتظاهرين لم يقدّموا أي رؤية موحدة أو مشتركة للمسار الإصلاحي، ليكتفوا بالمطالبة برحيل كل الطاقم السياسي، لم يكوّنوا يوماً وعياً مشتركاً يتصل بتفهم وظيفة الجيش وغيره في حفظ الأمن.

إذ منذ 17 تشرين الأول حتى اليوم، يُنظر إلى عناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية بوصفها أجهزة تملك القوة اللازمة لضبط الأمن وحماية الأفراد والممتلكات، وأن واجبها هو الوقوف الى جانب كل طرف لرد صولات الأطراف الأخرى ضده.

يتوجب علينا والحال هذه، أن نقول إن السلطات الأمنية، تستمد شرعيتها من وظيفتها. فهي السلطة الوحيدة المخولة استخدام القوة، لمعالجة ما تراه يمس الأمن العام. وهذا ما جرى في التعامل مع قطع الطرقات، إذ علاوة على شكاوى مواطنين من قطع الطرقات الى المستشفيات أو  وصولهم الى أرزاقهم، السيئة أصلاً، كان يمكن لاستمرار إقفال الطرقات أن يزهق أرواحاً أخرى، ويذكي النقمة الشعبية ويدفع بالبعض الى إعادة فتحها بالقوة. وهذا يعني صداماً مباشراً بين طرفي نقيض، يمكن أن تتسع رقعته وتصبح عملية ضبطه أكثر تعقيداً مما قد يتصوره البعض.

لكن الوعي والصبر الذي تحلى به الجيش جعلنا الى الآن نخرج بأقل الخسائر الممكنة. كان ليناً حيث يجب، ثم كان حازماً حيث يتطلب الأمر حسماً سريعاً.

لكننا الى الآن، لا نريد من الجيش الا ما يجاري تطلعاتنا ومواقفنا. فبعض المتظاهرين يرمون العناصر الأمنية بأبشع الصفات إذا عمدوا الى فتح الطرقات ومنع أعمال الشغب، ثم يحيّونها إذا ردت عنهم محاولة إعتداء من مناصري أحزاب لم تعد تؤيد، ضمنياً، تحركاتهم.

علماً أن الجيش لم يقف الى جانب أي من الطرفين. فهو يحاول قدر الإمكان أن يكفل حق التظاهر والتعبير، وعند خروجه عن السياق السلمي، فإن من واجبه الحزم والحسم حماية للأرواح ومنعاً للفوضى وحماية للممتلكات. وليس لمحاباته للناقمين على "الثوار" أو مسايرة للطبقة السياسية. وعندما يواجه "الناقمين" فليس محاباة "للثوار" أو مسايرة للخارج، بل منعاً للتصادم وحماية لحق الناس في التظاهر والتعبير.

بعض الساخطين على الجيش والقوى الأمنية، من الأطراف المتنازعة في الشوارع اليوم، لم يحتفظوا حتى بأدنى حدود الإحترام لعناصر بعيدين من عائلاتهم ومتواجدين في الشوارع منذ شهرين.

كيف لنا أن نقدّر وضعنا المعيشي ونطالب ببدائل عادلة ومساوية، في حين نبخل بالإحترام على من يشبهوننا وموكلين حمايتنا؟ كأن تقترب إحداهن وتنفث دخان سيجارتها في وجه عنصر أمني؟ أو أن يركل وتشتم أمه كما حدث في الناعمة؟ لماذا تلك الدعوات الفارغة لعناصر الجيش والقوى الأمنية بخلع بذلاتهم العسكرية والإنضمام للمتظاهرين؟ ماذا لو أراد الجيش أن يترك الشارع على غاربه ويعتكف عن التدخل؟ من يقدر حينها على ضبط الصدامات؟ من يحمي ويفصل بين المتنازعين؟ من يضبط "الدم الفاير"؟

ربما يفيد تذكير هذا الصنف من اللبنانيين، بأن العاطفة وحدها لا تبني بلداً. وأن أي سلطة أمنية تستخدم القوة لحاجة. وأن تجارب قريبة وحيّة في أكثر الدول ديمقراطية تشهد على ذلك. بإمكانهم أن يشاهدوا عناصر مكافحة الشغب في فرنسا كيف تتعامل مع متظاهرين قرروا تعطيل مرافق حيوية، ليس كرهاً بأصحاب السترات الصفراء، بل حماية لحقوق آخرين ممنوع المسّ بها والتعدي عليها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى