تحت عنوان عندما تلقّى الحريري هدفاً في الدقيقة التسعين!، كتب عماد مرمل في "الجمهورية": قبَيل ساعات من إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، توصّل الرئيس سعد الحريري الى اقتناع نهائي بأنّ خروجه من السباق الى السراي الحكومي أفضل من حصوله على تكليف هزيل وغير مضمون المصير. هذا هو على الأقل التفسير "المحلي الصنع" الذي يميل اليه البعض لفهم دوافع انكفائه، فيما يذهب البعض الآخر الى ربط قراره بالاتجاه الأميركي الرامي الى استكمال الطوق حول "حزب الله".
أيّاً يكن الأمر، يبدو انّ الحريري الذي خسر معركة التكليف يراهن على حسابات أخرى في معركة التأليف التي لن تكون سهلة امام الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب، بعدما قرر تيار "المستقبل" عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، شأنه شأن الحزب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية"، الأمر الذي سيستعمله خصوم فريق الاكثرية النيابية لتعويض ما خسروه في شوط التكليف، وللضغط في اتجاه محاولة الحؤول دون تشكيل حكومة تكنو-سياسية، تحت طائلة اتهامها بأنها تتبع لـ"حزب الله" او تحمل اللون الواحد، مع ما سيعنيه ذلك من استعداء بعض الداخل ضدّها وتحريض المجتمع الدولي عليها.
وهكذا، فإنّ سلاح الميثاقية الذي ساهم في تضييق الخيارات أمام الحريري بعد التقاء "التيار الوطني الحر" و"القوات" عند عدم تسميته، سيُستخدم هو نفسه على الأرجح في محاصرة دياب تحت شعار افتقاره الى الشرعية او التغطية السنية الكافية.
ونجاح دياب في "تأليف آمن" للحكومة المقبلة يتوقف الى حد كبير على نيّات الحريري المضمرة، وما إذا كان سيعطي الرئيس المكلف فرصة حقيقية بمعزل عن مشاركة "المستقبل" او عدمها في الحكومة، ام انه سيتعمّد عرقلة مهمته لعله يعود الى السراي على أنقاض تكليف دياب.
ومهما كان خيار الحريري، فالأكيد انه يحتاج الى مراجعة حساباته والتأمل في مجريات الفترة السابقة التي انتهت الى غير ما كان يتمنّاه. نجح الحريري نسبياً في إدارة مرحلة ما بعد استقالته، مستخدماً تكتيكات سياسية عدة خلال المفاوضات مع المعنيين بالتكليف والتأليف، الى حد انّ هناك مَن تساءل عن سر هذه "الطاقة الاضافية" التي جرى استجرارها الى "بيت الوسط"؟ الّا انّ المفارقة هي انّ الحريري تعثر في الامتار الاخيرة الحاسمة من "الماراتون" الحكومي، وبات بين ليلة وضحاها خارج مضمار السباق الذي تقدَّمه فجأة "حصان أسود" لم يكن في الحسبان، أقله حتى أمس الأول.
ولعلّ ما أصاب الحريري يشبه حال فريق في كرة القدم نجح في إبقاء شباكه نظيفة معظم أوقات المباراة، ثم تلقى هدفاً قاتلاً في الدقيقة التسعين، أدى الى إقصائه عن الادوار النهائية. وحتى تكتمل عوامل المفاجأة، فإنّ الهدف أتى على طريقة "النيران الصديقة"، لأنّ مَن سجّله في مرمى الحريري بشكل مباغت ليس سوى "اللاعب القوّاتي" المسجّل على كشوف الفريق الاستراتيجي الواحد الذي يضمّ ايضاً رئيس تيار "المستقبل".