دياب ومسيرة محفوفة بالمخاطر.. هل يتجاوزها أم يعتذر؟

دياب ومسيرة محفوفة بالمخاطر.. هل يتجاوزها أم يعتذر؟
دياب ومسيرة محفوفة بالمخاطر.. هل يتجاوزها أم يعتذر؟
تحت عنوان: "دياب... ومسيرة المخاطر"، كتبت فيوليت غزال البلعة في "Arab Economic News": بوثوق تام، وبغطاء "الثلاثية السياسية" وإنقسام الثوّار اللبنانيين بين مُستَمهِل ومُعارض وترقّب دولي مع مرونة حذرة، إنطلق الرئيس المكلف حسّان دياب مهمة إستمزاج الشارع النيابي والشعبي قبل إختيار تشكيلة "حكومة المهمات الصعبة" التي يفترض أن تواجه أخطر إستحقاقات مرّت على لبنان... لتبدو مهمته الرسمية الأولى أشبه بالإنتحارية.

خطوة أولى تزامنت وسبحة مواقف لمؤسسات التصنيف الدولية التي وضعت لبنان "قيد المراقبة" بعد خفض متتالٍ لموقعه السيادي، حيث التموضع في خانة C مفتوحة على التراجع إلى مرتبة D، ضاعفت المفاعيل السلبية التي أوردتها التقارير الدورية بالحرف وبالفاصلة مع "نظرة سلبية" للإقتصاد الوطني، وحذّرت فيها من إطالة أمد الفراغ السياسي "كونه يزيد الغموض في شأن السياسات"، ورأت أن الإصلاحات المحتملة "ربما لا تكفي لإيجاد حلّ جذري للضغوط المالية والإقتصادية الكبيرة"، وفق وكالة "ستاندرد آند بورز".

المضاعفات السلبية لم توّفر أكبر المصارف في لبنان. خُفّض التصنيف السيادي لأكبر ثلاثة مصارف إنسجاما مع الأداء الأخير الذي فرضته أسوأ أزمة سيولة، مما أفضى إلى فوضى وعشوائية في تطبيق إجراءات فرض بعضها مصرف لبنان، فيما لامست الإستنسابية عند التطبيق. أزمة السيولة لم تجد طريقها إلى الحلحلة بعد رغم محاولة حاكم مصرف لبنان طلب تأمين جرعة نقدية تأتي بها المصارف من الخارج تحت بند "زيادة رأس المال"، في ظل شبه إستقرار لسوق الدولار الأميركي الذي يلامس حافة الـ2000 ليرة لبنانية. 

خمسة مصارف لبنانية كبرى باشرت إجراءات زيادة رأس المال البالغ للقطاع بأكمله نحو 2.2 مليار دولار للعام 2019 والمقدار عينه للعام 2020. لكن إدارات هذه المصارف وبـ"شطارة" لبنانية جاءت في غير محلها هذه المرة، تعمّدت تأمينها من الداخل المأزوم خلافا لطلب الحاكم رياض سلامة، مما أفرغها من مفعولها الإيجابي الذي كان متوقعا، كونها "من السوق، وإلى السوق عينها تأتي"، بينما المطلوب ضخّ جرعات مالية نقدية من الخارج لتنعش السوق بسيولة جديدة تساهم في حلّ أزمة الطلب المتدفق على شقّ السحوبات النقدية المقيّدة بتطبيق "كابيتول كونترول" غير مقونن.

خطوة أولى نحو تنفيس الأزمة، كان يفترض أن تترافق مع تكليف حسّان دياب تشكيل "حكومة إدارة الأزمة"، تزامنا مع زيارة مبهمة لوكيل وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل إلى بيروت، حيث لم يتطرّق إلى ما كان عنوانا لمهمته، وهو النفط والغاز ومصير المفاوضات التي تتولاها واشنطن لحلّ مشكلة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. الملف النفطي غاب كليا عن اللقاءات لتحتلّ مكانها تعابير أخرى في تصريحات هيل، مثل "الإحتجاجات الجامعة، وغير الطائفية، والسلمية إلى حد كبير على مدى الأيام الـ65 الماضية، تعكس مطلب الشعب اللبناني الطويل الأمد في إصلاح إقتصادي ومؤسساتي، وإلى حكم أفضل، ومن أجل وضع حد للفساد المستشري". 

لم تكن واضحة مهمة هيل هذه المرة. لذا، كثُرت التحليلات والتوقعات وأيضا الأمنيات. لكن الثابت أن الديبلوماسي الأميركي استطلع المشهد اللبناني من قرب، وغادر لينكبّ على كتابة تقرير يرفعه إلى إدارة لا تزال ترصد تحركات "حزب الله"، وتعمد إلى تضييق الخناق على قنوات تمويله، وتوّسع لائحة المعاقبين من عناصر ومناصرين وداعمين. لكن، بدا هيل وفق قراءة متأنية لتحركاته وتصريحاته، متغاضيا عن إختيار الرئيس المكلّف من قبل "حلف الممانعة"، وداعما لمنح نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت (حسّان دياب)، فرصة لتشكيل حكومة تحاكي مطالب الثوّار وقادرة على إستعادة ثقة المجتمع الدولي لجهة تطبيق السلة الإصلاحية بغية الحصول على مساعدات خارجية، تُقدّر حاجة لبنان إليها في هذه المرحلة، بنحو 10 مليارات دولار.

إن صحّت تلك القراءة، فهي توجب على المصارف المسارعة لركوب "قطار الإنقاذ" عبر إعداد خطة طوارئ كفيلة بترميم صورتها في الداخل والخارج وإن بتدرج زمني قد يمتدّ لأكثر من عام، فضلا عن إعادة هيكلة القطاع عبر إطلاق عمليات الدمج بما يوّفر المناعة اللازمة لجبه المرحلة. إلى ذلك، يفترض أن تعيد هيكلة علاقتها مع مصرف لبنان بعد فترة الإضطراب التي تمرّ بها حاليا، وتبادر إلى زيادة رساميلها الخاضعة للمقدمات النقدية والمقدّرة بنحو 22 مليار دولار لعام 2018 من خارج البلاد، لتساهم بذلك في تعويم سيولة السوق التي بدأت تتلقف عمليات خفض الفوائد على الودائع (إلى 6.30% كمعدل وسطي بدل 9.30% و10%) بما سيخفّض الكلفة على تلك الودائع بأكثر من نحو 5 مليارات دولار.

وفي ظل إستبعاد الـ"هيركات" بالتزامن مع فتح واشنطن نصف الباب أمام المساعدات الخارجية عبر صندوق النقد والبنك الدولي، وهو ما ألمح إليه هيل خلال وجوده في بيروت، فإن خفض الفوائد على الودائع والذي سيليه لاحقا خفض مماثل على القروض، سيخفّض الفوائد على ديون المصارف للدولة (سندات) وهي بقيمة 17 مليار دولار مقسطة على 10 سنوات، بما يحقق وفرا على الخزينة بقيمة 1.1 مليار دولار سنويا. هذا المشهد المريح، يوجب على القطاع المصرفي الإلتفات لدعم القطاع الخاص، بما يساهم في حلحلة الأزمة التي تعصف به منذ أعوام بما قد يعوّض بعض خسائره التي تفوق وصف "الفادحة". 

هو سيناريو متفائل إن أحسن حسّان دياب خطاه، وسار بين النقط مشكّلا "حكومة ملتزمة وقادرة على إجراء إصلاحات مستدامة ومفيدة"، وفق توصيف ورد في بيان لوزارة الخارجية الأميركية أمس عن زيارة هيل إلى بيروت. 

مسيرة دياب محفوفة بالمخاطر. فهل ينجح في تجاوزها أم يعتذر؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى