أما وقد سقطت هذه التسوية الهشّة وقد حلّ مكانها تسوية من نوع آخر حاكها الثنائي الشيعي بإحكام مع الوزير باسيل، والتي قضت بتسمية المهندس حسّان دياب كرئيس مكّلف لتشكيل حكومة "اللون الواحد"، التي كانت مستحيلة مع الحريري، فقد عاد كل من أطراف التسوية القديمة إلى قواعده لتبدأ مرحلة جديدة قوامها معارضة في مواجهة العهد، وبالتحديد "وزير البلاط" جبران باسيل، بدأت ملامحها تتكون بعد الهجوم الصاعق الذي شنّه كل من الحريري والوزير السابق سليمان فرنجية ضد كل من العهد وباسيل، من دون أن يكون تصريح الأخير يصّب في خانة المواجهة المنظّمة، بإعتبار أن كتلة فرنجية قد سمّت دياب في الإستشارات النيابية الملزمة.
ولأن الظرف الإقليمي اليوم هو غير ما كان عليه عشية الإنتخابات الرئاسية، والذي أنتج التسوية الرئاسية، فإن وجود الحريري اليوم في خندق المواجهة يفرض نمطًا جديدًا في التعاطي السياسي مع الأزمات الراهنة، وقد بدأت مفاعيل تمترس رئيس حكومة تصريف الأعمال وراء أكياس بعض المتغيرات تظهر إلى العلن وتتمثل في صعوبة إنتقاء الرئيس المكّلف أسماء من الطائفة السنّية لتولي حقائب وزارية في الحكومة العتيدة، بإستثناء بعض الأسماء المنتمية حكمًا إلى محور الممانعة، الأمر الذي يفقد هذه الحكومة غطاء سنّيا وازنًا داخلها، الأمر الذي يجعل مهمة التأليف صعبة بعض الشيء، خصوصًا أن بعض الأسماء التي عرض عليها الإنضمام إلى الحكومة رفضت شاكرة.
وعليه، فإن الحريري الذي لا يزال يتطلع إلى الكرسي الرئاسية الثالثة، سيخوض تجربة جديدة من وراء إصطفافه خلف معارضة "بناءة"، على رغم أن بداياتها توحي بأن هذه المعارضة، وإن كانت "بناءة"، ستكون شرسة بكل مضامينها وحيثياتها، إذ سيكون لكل مقام بيان.
في المقابل ثمة نية، كما أتضح من كلام الرئيس عون في بكركي، بأن يكون الردّ الرئاسي على مواقف المعارضة ردّ "العين بالعين والسنّ بالسن"، لأن السكوت في مثل هكذا حالات لم يعد مقبولًا، وهذا ما سيفعله "التيار الوطني الحر"، الذي قرر الخروج من حلقة المهادنة إلى خط الهجوم الأول، دفاعًا عن العهد.