من براثن 'اللا ثقة'!

من براثن 'اللا ثقة'!
من براثن 'اللا ثقة'!

تحت عنوان: من براثن "اللا ثقة"!، كتبت فيوليت غزال البلعة في "Arab Economic News": "مخطئ مَن يعتقد أنه سينجو من إنهيار الإقتصاد والأمن ومن غضب الناس. فلنتواضع جميعا ولنعترف بأن إستعادة الثقة تكون بالأفعال وليس بالوعود. إستعادة الثقة مسار طويل يتطلب مصارحة الناس بالحقيقة ويحتاج إلى إنجازات ملموسة".

هي مقدمة مسودة "البيان الوزاري" لحكومة الرئيس حسان دياب الذي يعرض اليوم في جلسة "روتشة" لآخر اللمسات قبل رفعه إلى مجلس النواب الأسبوع المقبل، لمناقشة يفترض أن تفضي إلى نيل ثقة ممثلي الشعب... تمهيدا لإطلاق يدها في معالجات تبدأ بـ"إتخاذ خطوات مؤلمة ضمن خطة إنقاذ شاملة (...) وسيعلم الناس أو قد يتذكرون يوما أنها كانت ضرورية، تجنبا للانهيار الكامل الذي سيكون الخروج منه صعبا إن لم نقل شبه مستحيل".

وفي الإنتظار، بدا أن معظم اللبنانيين مالوا مرغمين، إلى منح الحكومة "فرصة" أولى لإمتحان قدرتها على ترجمة أقوالها إلى أفعال تكفل تطبيق "خطة طوارئ" في أسابيع لمعالجة الحاجات الطارئة للناس ومواجهة الإستحقاقات والتحديات الداهمة، قبل إصدار حكم إعدام عليها كما سالفات غادر آخرها قبل نحو ثلاثة أشهر. كذلك، ذهب قسم من الثوار إلى هذا الخيار بعدما باتت الحكومة واقعا مفروضا حتى وإن لم تنل بعد ثقة مجلس النواب، بناء على بيان وزاري يشكل أولى الإختبارات لحكومة ستكون "مستقلة" عن طبقة سياسية لا تزال ترغب في حُكم الخضار واليباس، و"نزيهة وشفافة" تعمل من دون كلل أو ملل لتنفيذ "مشاريع قوانين وإجراءات مجدولة على مراحل ثلاث من 100 يوم إلى ثلاث سنوات".

صحيح أن مسودة البيان الوزاري مَرحلت المعالجات، لكنها لم تأت بجديد مصاغ في الجوهر وإن تعمّدت تطعيم الشكل بتغيير طفيف، إن لجهة مراعاة مطالب الحراك الشعبي أو لجهة الإصلاحات التي يتوقعها المجتمع الدولي وخصوصا منها توصيات مؤتمر "سيدر"، فضلا عن الإستعانة بخطة "ماكينزي" لنقل الإقتصاد من ريعي إلى منتج. هكذا يقول شكل البيان، لكن في المضمون، لم يرد أي جديد فعلي لإنعاش الإقتصاد وخفض كلفة الدين العام سوى "خفض معدلات الفائدة على القروض والودائع" من دون تحديد سقف لها يتلاءم ومتطلبات الأسواق لا ما يفرض عليها، حيث يخشى ألا يتيح الإنكماش الحاد إعادة عجلة الإستدانة إلى سابق عهدها في ظل إنعدام الثقة بالأفق القريبة الأجل.

ترغب الحكومة في إستعادة إستقرار النظام المصرفي من خلال مجموعة تدابير، منها إعادة رسلمة المصارف: وهو إجراء فرضه مصرف لبنان على مرحلتين (20% لعامي 2019 و2020)، ومعالجة تزايد القروض المتعثرة: وهو واقع مسبوق بعدما عولج تعثر مماثل العام 2000 حين بلغ نحو 5 مليارات دولار. لم تحدّد الحكومة ما هي الإجراءات المناسبة والضرورية لحماية صغار المودعين، والمحافظة على سلامة النقد الوطني اللذين يتعرضان لأبشع الهجمات والحملات المبرمجة والمدمِرة. 

تدرك الحكومة أن كل الجهود التي ستبذلها لن تفلح إن لم تنجح في الحصول على جرعات نقدية تُضخّ مباشرة في الإقتصاد، أي سيولة فورية قادرة على حلحلة الأزمة التي تعصف بمفاصل الحياة اليومية للبنانيين. لذا، فان "التواصل" مع كل المؤسسات والجهات المانحة أو الداعمة لتأمين الحاجات الملحة والقروض الميسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة وللدورة الإقتصادية، هو مجرد عنوان قد يبقى خالي الوفاض، إن لم يقتنع المجتمع الدولي بإستقلالية هذه الحكومة عن المشروع السياسي الذي يدعمها ويتعارض عما يريده للبنان المستقبل. 

تعتزم الحكومة الإسراع في إجراء دورة التراخيص الثانية في قطاعي النفط والغاز وإقرار قانون الصندوق السيادي وقانون الشركة الوطنية... والأهم، خفض سقف التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان تمهيدا لإلغاء الدعم بالتوازي مع تطبيق خطة الكهرباء (!)، لأن وضع أي خطة بديلة سيستغرق نحو عام... ويبدو هذا نسخة طبق الأصل عن عناوين عرضتها بيانات وزارية سابقة، وبقيت مجرد شعارات لترجح كفة الإلتزام بما لم يطبّق في السابق. 

ليس مجديا التوقف عند التفاصيل التي أوردها البيان الوزاري، لأن مجرد المرور على العناوين قد يكون كافيا لإستصدار الأحكام: إستقلالية القضاء ومعالجة مخالفات الأملاك البحرية، مكافحة الفساد وكشف مرتكبي جرائم المال العام والتعهد بإسترجاع الأموال المنهوبة في أقل من سنة، تصحيح المالية العامة عبر إجراءات ضريبية تحسّن الجباية وتكافح التهريب عبر المعابر والتهرّب الجمركي، معالجة الخلل في ميزان المدفوعات من خلال تشجيع الصادرات عبر دعم الإنتاج المحلي (صناعة وزراعة وخدمات) إضافة الى إجراءات ضريبية إستثنائية، تقوية شبكات الأمان الاجتماعي وتوفير الحماية للمهمشين وللأكثر فقرا، تحفيز النمو الإقتصادي عبر تحفيز المنافسة وتوسيع مروحة تسهيلات مصرف لبنان وحضّه على ضخّ السيولة بالدولار، تفعيل الإدارة العامة وتحديثها بدءا بتعيين نواب حاكم مصرف لبنان وملء الشواغر، إصلاحات هيكلية وإعتماد سياسة لتحسين بيئة العمل بغية إستقطاب الإستثمارات الداخلية والخارجية... 

غيض من فيض مضمون بيان وزاري يفيض على الواقع اللبناني بالكثير من الأحلام والقليل من القدرة على التنفيذ. لربما كان من الأفضل لو جاء الحجم مقتضبا ومستهدفا معالجة تداعيات الأزمة التي أوقعت اللبنانيين في براثن "اللا ثقة" بدل إغداق وعود تعبر سريعا على عورات كثيرة، وفي مقدمها إعداد مشروع قانون للإنتخابات النيابية يحاكي تطلعات لبنانيي الساحات. 

هو إمتحان أول للحكومة عسى أن تتجاوزه بأقل الأضرار، لأن العالم منهك بأمور كثيرة، أقربها "كورونا" المتفشي عبر القارات، و"بريكست" الذي هزّ القارة العجوز، و"صفقة القرن" التي أشعلت فتيل الإنقسامات العربية... لهذا، لبنان حتى الآن، ليس في البال... 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى