وقال الموقع:" في طهران التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة، تخطّت قراءات مؤشر جودة الهواء في الأسابيع الأخيرة مستوى 200، لتدخل العاصمة فئة "غير الصحية للغاية" لجميع السكان. أُغلِقت المدارس والجامعات، رُفعت جهوزية المستشفيات، تعطّلت رحلات جوية بسبب الضباب الدخاني، وطُلب من المواطنين البقاء في منازلهم، فيما اضطر مسؤولون رسميون للاعتراف بأن التلوث بلغ "مستويات مهدِّدة للحياة. لكن الاختناق بات حالة وطنية لا تُختصر في طهران. مدن من أراك وكراج إلى مشهد تعاني تلوثًا متزايدًا، فيما تواجه الأهواز وأصفهان مستويات "خطيرة" تفرض إغلاقات متكررة، وتتعرّض تبريز لانقطاعات في الخدمات البلدية. لا منطقة تقريبًا بمنأى عن نتائج سوء إدارة قطاع الطاقة".
تابع:" خبراء البيئة حذروا منذ سنوات من أن هواء المدن "لم يعد قابلًا للتنفس"، مع ارتفاع حاد في حالات الدخول إلى المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي. غير أن خيارات النظام تعمّق الأزمة: أولوية لعائدات التصدير والمشاريع الأيديولوجية والتمويل العسكري على حساب تحديث البنية التحتية للطاقة، وسوق سيارات محتكر من شركات مرتبطة بالحرس الثوري عبر حظر استيراد السيارات الحديثة، والحد من المنافسة، والاستمرار في إنتاج مركبات قديمة عالية الانبعاثات. ملايين السيارات المتهالكة لا تزال على الطرق، وكثير منها يفتقر لأبسط أنظمة ضبط التلوث، بينما يبقى الوقود دون المعايير العالمية مع نسبة عالية من الكبريت وتفاوت واضح بين المناطق".
أضاف الموقع:" مع كل شتاء، ومع ارتفاع الطلب على الطاقة، تُجبَر محطات توليد الكهرباء على حرق المازوت، وهو وقود ثقيل رديء وعالي الكبريت ينتج عنه تركّز كبير للجسيمات الدقيقة المرتبطة بأمراض تنفسية حادة. المناطق الصناعية تفتقر إلى أنظمة ترشيح فعّالة، والمدن المكتظة المحاصرة جغرافيًا والمعرّضة لظاهرة الانقلاب الحراري تتحول إلى أوعية مغلقة يتكدّس فيها التلوث لأيام، فيما تزيد العواصف الترابية الناتجة عن جفاف البحيرات والأراضي الرطبة – بفعل سياسات مدمّرة – من حدّة الأزمة. قانون الهواء النظيف الصادر عام 2017 صُمّم ليكون إطارًا وطنيًا للحد من التلوث، لكن تطبيقه بقي محدودًا؛ إذ لم يُنفّذ سوى أقل من نصف بنوده الـ174 الموزعة على 23 جهة حكومية. ضعف التنسيق بين وزارات الصحة والبترول والطاقة والسلطات البلدية عطّل أي تقدّم، رغم تصنيف القانون للوضع الحالي كـ"حالة طارئة" تستوجب تحركًا مشتركًا، بينما وجّهت الحكومة مواردها وإدارتها نحو أولويات أمنية وأيديولوجية وتركت البيئة في أسفل القائمة".
وأشار إلى أنّ النتائج الاجتماعية والاقتصادية تتراكم، قائلا:" طهران لم تعرف هذا العام سوى أيام قليلة ذات هواء نقي. الطلاب يفقدون ساعات دراسية بسبب الإغلاقات، العمال يخسرون إنتاجيتهم وأجورهم مع تعطّل النقل وإقفال المؤسسات، والأسر تضطر لحبس أطفالها في المنازل خوفًا من تعرّضهم للهواء الملوث. النساء الحوامل، كبار السن، ومرضى القلب والرئة معرضون لخطر دائم لمجرّد الخروج من البيت".
اقتصاديًا، حسب الموقع، تُقدّر الكلفة السنوية لأضرار تلوث الهواء بأكثر من 17 مليار دولار، من خلال ضرب الإنتاجية، وإرهاق القطاع الصحي، وتعطيل النشاط الاقتصادي. لكن الثمن البشري أشد قسوة: عشرات الآلاف من الوفيات القابلة للتجنّب، مئات الآلاف من المصابين بأمراض مزمنة، وملايين الأطفال المعرّضين لضرر دائم في الرئتين. في أي دولة تُدار بكفاءة، كان هذا المزيج من الخسائر الصحية والاقتصادية كفيلًا بإطلاق تعبئة وطنية شاملة؛ أما في إيران، فتتكرر التدابير الظرفية نفسها: إغلاقات قصيرة، تقييد حركة السير في يوم محدد، ونداءات عامة للتهدئة، من دون مسّ بجذور المشكلة.
أضاف:" أزمة تلوث الهواء في إيران ليست حادثًا جانبيًا لسياسات الدولة بل ثمرة مباشرة لها: عقود من الخيارات الفاشلة والمدفوعة بأيديولوجيا، فساد متجذّر، انعدام للشفافية، سوء إدارة عميق لمنظومة الطاقة، تخلّف مزمن في الاستثمار في البنية التحتية الحديثة والطاقة النظيفة، ورفض تنفيذ المعايير البيئية. نتيجة ذلك أزمة تتفاقم عامًا بعد عام، وتدفع قطاعات متزايدة من الإيرانيين إلى الهجرة الداخلية والخارجية، وتفاقم الاحتقان واحتمالات الاضطراب وردود الفعل القمعية".
ختم:" في الجوهر، تكشف هذه الأزمة عن نظام يستهلك الدولة بدل أن يديرها. حكومة تقايض صحة مواطنيها في سبيل أرباح الاحتكارات ومغامراتها الأيديولوجية تفقد كفاءتها وشرعيتها معًا. وحين تعجز سلطة عن تأمين أبسط شروط الحياة، أي الهواء النقي، فإن سؤال المستقبل يتحوّل إلى سؤال وجودي لها، كما يدرك الإيرانيون – وشاغلو السلطة – جيدًا".



