هل تفضي حرب أوكرانيا إلى مواجهة مباشرة بين روسيا و»الناتو»؟

هل تفضي حرب أوكرانيا إلى مواجهة مباشرة بين روسيا و»الناتو»؟
هل تفضي حرب أوكرانيا إلى مواجهة مباشرة بين روسيا و»الناتو»؟

عماد الشدياق نقلا عن "القدس العربي"

قبل أيام أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بنس ستولتنبرغ في مؤتمر صحافي، أنّ انتصار روسيا في أوكرانيا لن يكون هزيمة لكييف حسب، وإنّما سيكون هزيمة لحلف «الناتو» مجتمعاً، ولا يمكن السماح بذلك. بخلاف التساؤلات التي أثارها هذا التصريح، فقد خلّف أيضاً غضباً شديداً في نفوس القيادة الروسية، التي ردّت بلسان الرئيس السابق ديميتري ميدفيديف، إذ اعتبر أنّ تصريح ستولتنبرغ «دليل صريح على أنّ حلف الناتو شريك مباشر في الحرب ضد روسيا». أمّا وسائل الإعلام الروسية، فرأت أنّ هذا الاعتقاد، الذي صدر من أعلى مرجعية في حلف الناتو، ما هي إلا مؤشر «خطير جداً»، على أنّ الصراع في أوكرانيا مستمرّ في التصعيد.. لحين وقوع مواجهة حتمية بين روسيا والحلف، لأنّ الأمر بكل بساطة سيدفع روسيا إلى رفض انكسارها أمام الحلف في أوكرانيا.

من هنا، يبرز سؤال وجيه: هل حلف «الناتو» متورّط فعلاً في الحرب ضد روسيا، أم أنّ هذه التصريحات تدخل في مجال التهويل والاتهام الذي تقابله اتهامات مضادة؟ هل يقتصر تدخل الحلف والدول المنضوية تحت لوائه، على مدّ كييف بالأسلحة والدعم الاستخباراتي؟ أمّ لهذه الدول عناصر على الأراضي الأوكرانية، وبالتالي تمسي هذه الاتهامات جدية، وقد تفضي فعلاً إلى صدام بين «الناتو» وروسيا؟

تشير المصادر المفتوحة، خصوصاً المواقع الروسية المهتمة بحركة المعارك الدائرة في أوكرانيا، بوجود عشرات التشكيلات العسكرية الأجنبية التي تؤازر القوات الأوكرانية في حربها ضد روسيا. ومن بينها نحو 9 شركات عسكرية خاصة، مُقبلة من 6 دول غربية هي: الولايات المتحدة، بريطانيا العظمى، ألمانيا، بولندا، تركيا، وجمهورية الدومينيكان الأمريكية الجنوبية. 

وتكشف المصادر أنّه خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2022، عمل مدربون عسكريون من 8 دول (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيطاليا والنرويج والدنمارك وكندا ولاتفيا وفرنسا) مع جنود وضباط القوات المسلحة الأوكرانية، في مراكز للتدريب ضمن مناطق كييف، لفيف، أفدييفكا، أرتيموفسك، فولنوفا، ستانيشنو – لوغانسك، شبه جزيرة القرم، نوفويدار، سومي، أوديسا، نيكولاييف، وخيرسون. هناك، يقوم اختصاصيو حلف «الناتو» بتدريب الفصائل الأوكرانية منذ سنوات، مثل «اللواء 36» البحري المفرز للقوات المسلحة الأوكرانية. هذا اللواء يشارك قوات حلف «الناتو» بالتدريبات منذ سنوات، وقد أجرى 9 مناورات مشتركة مع الحلف، ويشرف منذ عام 2014 على تجديد تشكيلات التنظيم القومي «آزوف». 

وتقول روسيا إنّ عدد المدربين العسكريين التابعين لحلف «الناتو» المتمركزين بشكل دائم في أوكرانيا، يصعب إحصاؤها بشكل دقيق، (تذكر المواقع الروسية أسماء العديد منهم بالأسماء والرُتب، ولا مجال لعدّهم هنا) لكنّها تقدّر أعداد هؤلاء بالمئات، وقد سبق أن نشرت وسائل إعلام مختلفة، أسماء 23 متخصصاً عسكرياً من رتب عسكرية متنوّعة. 

في 21 ديسمبر من العام الماضي، قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو في اجتماع موسع لوزارة الدفاع، إنّ أكثر من 120 موظفا من الشركات العسكرية الخاصة الأمريكية كانوا في منطقة دونيتسك، ومن بينها غراي ستون الأمريكية المسجلة في بربادوس منذ عام 2014، التي اجتذبتها كييف ضمن مهمة «حفظ النظام» في شرق أوكرانيا، وفي العام نفسه نشرت نحو 300 مقاتل في أوكرانيا. كما تنقل وكالة «تاس» الروسية عن مصدر في جهاز الأمن الروسي، أنّ الشركة انغمست في عام 2014، في قمع «المزاج الاحتجاجي» شرق أوكرانيا. 

أمّا وكالة «إنترفاكس» الروسية، فكشفت أوائل شهر مارس الفائت عن مصادر دبلوماسية وعسكرية، عملية نقل ما لا يقلّ عن 300 عنصر من المرتزقة الأجانب إلى كييف من ذوي الخبرة في العمليات القتالية، مجهزين بمعداتهم الخاصة، وربما مجهزين بالأسلحة، مؤكدة أنّ معظم هؤلاء «جاءوا من الولايات المتحدة، وكانوا سابقاً يعملون بموجب عقود خاصة في العراق وأفغانستان ودول أخرى». 

وإضافة إلى شركة «غراي ستون» الأمريكية، هناك شركة أمريكية أخرى هي «كيلوغ براون أند رووت سرفيسز»، تجهل المواقع الروسية عدد العاملين فيها، لكنّها تؤكد أنها من بين الشركات الداعمة للعمليات العسكرية في أوكرانيا، وكانت تقوم بمهمة صيانة المعدات العسكرية، وتقديم الإرشاد للجيش الأوكراني على الأرض.

في عام 2018، أجرت السلطات الأوكرانية مفاوضات سرية مع إدارة شركة «أي أس بي أس أوثانغو» البولندية، لجذب أكثر من ألف مرتزق أجنبي إلى الأراضي الأوكرانية. ومن تلك الجمهورية الأمريكية الجنوبية الصغيرة، تشارك مجموعة «نورثبريدج» للخدمات العسكرية، ولها مكتب في العاصمة الأوكرانية كييف، وتشير بياناتها إلى أنّها شركة عسكرية خاصة، ولديها مكاتب في المملكة المتحدة وأوكرانيا إلى جانب فرع في كنتاكي. يرأسها كولونيل متقاعد في الجيش الأمريكي (روبرت دبليو كوفاسيتش)، كما أنّ العديد من موظفيها ذوي خلفيات عسكرية وسياسية وحكومية، وكذلك دبلوماسية. 

وسبق أن تعرضت لانتقادات في إبريل 2003، بسبب عملياتها في ساحل العاج التي وُصفت بأنها تقويض عملية السلام في ذاك البلد الافريقي، خصوصاً بعد أن عرضت الشركة اختطاف الرئيس الليبيري تشارلز تيلور مقابل 4 ملايين دولار، ثم خضعت للتحقيق على يدّ مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI). أمّا ألمانيا، فهي الأخرى حاضرة على الأراضي الأوكرانية من خلال مجموعة «أشغارد» الأمنية. لا يُعرف عدد تشكيلاتها، لكن مصادر في وزارة الدفاع الأوكرانية، سبق أن أفادت في تصريحات صحافية، بوصول هذه الشركة إلى الأراضي الأوكرانية، مع شركات أخرى أمريكية وتركية نهاية عام 2021.

وإلى جانب الشركة الألمانية، هناك شركة بريطانية بارزة اسمها «جي 4 أس»، وهي اختصار لاسم (Group 4 securicor). عدد وحداتها الموجودة في أوكرانيا بين 500 و600 عنصر، وأحد فروعها موجودة في العاصمة كييف منذ عام 1992، وتعمل في مجال «الحماية الخاصة» لصالح شركات بريطانية متخصصة في بناء قاعدة بحرية في مدينة أوتشا كييف الأوكرانية.

الوجود التركي مثبّت في أوكرانيا من خلال شركة «صادات» العسكرية الخاصة، التي يُقدر عديد عناصرها بنحو 100 عنصر، وقد أتاح اعتراض اتصالات لاسلكية بين عناصر مقاتلة في الميدان، بسماع محادثات على إحدى الجبهات، أثبتت وجود عناصر أتراك على الأراضي الأوكرانية. وجود هذه الشركة شكّل مفاجأة كبيرة للسلطات الروسية، حيث لم يكن متوقعاً مشاركة الأتراك في الأعمال الحربية إلى جانب أوكرانيا ضد الجيش الروسي، لكنّ المواقع الروسية كشفت أنّ المرتزقة الأتراك شوهدوا في منطقة فولشانسك، بعد أن أصبحت هذه المنطقة تحت سيطرة القوات الأوكرانية، حيث لاحظ السكان المحليون وجود مفرزة من المقاتلين يتحدثون اللغة العربية والتركية. كما رجّح العاملون في مجال اعتراض الاتصالات اللاسلكية، أن يكون للشركة التركية عناصر في منطقة خاركييف أيضاً. 

ولم تعلق السلطات التركية على هذا الظهور المحتمل لعناصر «صادات» في أوكرانيا، لكنّ الأوساط الروسية تعتبر أنّ هذه الشركة مقربة من أنقرة، وهي شبه خاضعة بشكل مباشرة للزعيم التركي رجب طيب أردوغان، وهذا ما فاجأها.

الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا
هذا الفيلق عبارة عن وحدة عسكرية، أنشأتها السلطات الأوكرانية بناءً لطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فبراير 2022. جنّد متطوعين أجانب في هذا الفيلق ومنذ شهر مارس الماضي، وأدخل إلى أوكرانيا نحو 20 ألف مقاتل من نحو 52 دولة. وقد سبق أن أشار مدرب الرماية البرازيلي تياجو روسي الذي خدم في هذا الفيلق، إلى أنّ متطوعي الفيلق قادمون من جميع أنحاء أوروبا، وحسب المصادر الروسية، هناك أيضاً كتيبة كندية – أوكرانية، قوامها 550 وتمثّل الشتات الأوكراني في كندا، وكذلك «لواء نورماندي»، وهو وحدة من قدامى المحاربين من كندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك والنرويج وألمانيا وأستراليا ونيوزيلندا وفرنسا وجنوب افريقيا وبولندا. 

وأثناء التفتيش وإزالة الألغام في إقليم مصنع آزوفستال في ماريوبول، تم اكتشاف محرقة جثث تضم رفات أكثر من 10 جثث محترقة لمرتزقة أجانب في أحد المخابئ، كما نشرت وسائل الإعلام أسماء مدربين من دول الناتو عملوا في أراضي أوكرانيا، بين الأعوام 2017 و2019، وتوزعوا على دول غربية مثل الولايات المتحدة، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، والنرويج والدنمارك، ولاتفيا. 

وتكشف المصادر المفتوحة أيضاً، وجود نحو 5 تشكيلات مسلحة من مواطني الدول المجاورة، وهي كتيبة منفصلة لأغراض خاصة تابعة لوزارة الدفاع في جمهورية إيشكريا الشيشاني، التي أنشأها أحمد زكاييف في 31 يوليو 2022 كتشكيل شيشاني يقاتل إلى جانب القوات المسلحة لأوكرانيا. وكتيبة حفظ السلام الدولية المسماة على اسم جوهر دوداييف هي كتيبة متطوعة شيشانية. والكتيبة الموحدة باسم حمزة غلاييف، وكذلك فوج «كاستوس كالينوفسكي»، وهو وحدة قومية بيلاروسية، وتتكون من كتائب «ليتفين» و»فولات». وأخيراً الفيلق الوطني الجورجي، هو وحدة استطلاع جورجية تضمّ متطوعين أُنشئت في عام 2014 من نحو 400 عنصر. وقد دُمجت هذه التنظيمات ضمن الجيش الأجنبي المسمى «الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي عن أوكرانيا»، وهي وحدة أنشأها الغرب في أوكرانيا بداية الحرب في شهر فبراير الماضي.

كل هذا يشير إلى مشاركة حلف «الناتو» بشكل مباشر في مواجهات «خفية» ضد روسيا على الأراضي الأوكرانية. ويشير أيضاً إلى أنّ التُهم التي يتبادلها الغرب وروسيا ليس من باب التصعيد أو الترف العسكري، وإنّما اتهامات جديّة وخطير، تُنبئ بقرب مواجهة مباشرة بين الطرفين وقد توصل العالم إلى ما لا تُحمد عقباه!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى القطب الشمالي: نزاع جديد تتفوق فيه موسكو على واشنطن