أخبار عاجلة

إعادة إحياء اتفاق الحدود مع إيران.. العراق بين المكاسب والخسائر!

إعادة إحياء اتفاق الحدود مع إيران.. العراق بين المكاسب والخسائر!
إعادة إحياء اتفاق الحدود مع إيران.. العراق بين المكاسب والخسائر!
نشر مركز "Stratfor" الأميركي تقريراً تحليلياً يسلّط الضوء على زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني للعراق مطلع آذار الماضي في أول زيارة دولة رسمية له، وإعلان رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في قضايا مثل أمن الحدود والتنمية الاقتصادية، وبصفة خاصة قرار الجانبين العودة إلى اتفاقية لترسيم الحدود تعود إلى 44 عاماً.

وكشف التقرير عمّا وصفها بـ"مكاسب وخسائر" العراق من العودة لهكذا اتفاقية.

قرار تغيير الحدود البحرية والبرية بين العراق وإيران استناداً إلى البنود الأصلية الواردة في اتفاقية الجزائر المُوقَّعة عام 1975، يعني التخلّي عن أرض ومياه بحرية سيطر عليها العراق لعقود، أهمها مجرى شط العرب، الذي ظلَّ لفترة طويلة خطاً فاصلاً بين العالمين العربي والفارسي.

ومفهوم أنَّ التوقيع أزعج بعض العراقيين، الذين يخشون أن تكون لهم "اليد الدنيا" مقارنةً بجيرانهم الإيرانيين، لكن على الرغم من بواعث قلق مواطنيه، فإنَّ العراق في الواقع في موقعٍ يسمح له بالاستفادة من العودة إلى الاتفاقية أكثر مما يخسر، على الأقل في المدى القصير، ولو أنَّ ذلك لا يخلو من مخاطرة إغضاب أعداء إيران.

ترسيم حدودي بعد حرب مدمرة
يُعبِّر إحياء اتفاقية الجزائر لعام 1975 عن التوافق بين العراق وإيران في ما يتعلَّق بواحدة من أكثر القضايا الخلافية تاريخياً بينهما: تعيين حدود مجرى "شط العرب". إذ يسبق الجدل بشأن السيطرة على المجرى، الذي يلتقي عنده نهرا دجلة والفرات، تشكُّل دولتيّ العراق وإيران الحديثتين، فكانت الدولة العثمانية تُصدِّر التمر من مزارع النخيل الممتدة لأميال على طول المجرى المائي في القرن التاسع عشر.

لكنَّ الخلافات بشأن منطقة شط العرب باتت مثار خلافٍ كبير بعد اكتشاف النفط في العراق في عشرينيات القرن الماضي، فكانت بغداد ترغب في الحفاظ على حريتها الملاحية في النهر من أجل تعزيز قطاعها النفطي. وفي عام 1975، وقَّع البلدان اتفاقية الجزائر لترسيم حدودهما المائية والبرية محل الخلاف بينهما. عرضت إيران سحب المساعدة العسكرية التي تُقدِّمها لأكراد العراق، الذين كانوا منخرطين حينها في خلافٍ عنيف مع الحكومة الاتحادية في بغداد وفي المقابل تحصل إيران على نصف مجرى شط العرب، ما يسمح لها بالوصول إلى موانئ رئيسية في ظل تطوير إيران لقطاع صادراتها النفطية.

وطيلة سنوات عديدة، خفَّفت الاتفاقية الأعمال العدائية بين العراق وإيران، إلى أتت ثورة 1979 الإيرانية بحكومةٍ جديدة في طهران وغيَّرت السلطة مجدداً، ما أدَّى إلى تعليق اتفاقية الجزائر بعد فترة وجيزة (وهكذا ظلَّت منذ ذلك الحين حتى إحيائها مجدداً هذا العام). ونتيجة لذلك، صار مجرى شط العرب هو مسرح الحرب العنيفة بين بغداد وطهران طوال الثمانينيات، في ظل سعي إيران للسيطرة الكاملة على المجرى. واليوم، بات النهر مقبرةً للسفن والقوارب العراقية والإيرانية الغارقة، ويُعَد تذكرةً أليمة بالتاريخ الدموي بين الدولتين.

مكاسب اقتصادية بالجملة
حين وُقِّعَت اتفاقية الجزائر عام 1975 لتقاسم المجرى المائي بالتساوي، كانت تُوفِّر منافع مشتركة لكلا البلدين، لكن اليوم يبدو أنَّ شط العرب ينضوي على أهمية استراتيجية أكبر للعراق منه لإيران. ففي حين يوجد ميناءان نفطيان على طول المجرى المائي، تقع أهم منشآت النفط الإيرانية على طول الخليج. لكن بالنسبة للعراق، يظل شط العرب واحداً من ممراته المائية القليلة إلى الخليج، ويُوفِّر له المياة العذبة للمزارع والمصانع أعلى وأسفل النهر، وهو ما يثير التساؤل عن الأسباب التي قد تدفع بغداد للتخلَّي طوعاً عن أي سيطرةٍ لها على مثل هذا النهر الحيوي من خلال إعادة التأكيد على اتفاقية الجزائر.

لكن النظرة الأكثر عمقاً توضح أنَّ التنازل رسمياً عن بعض حقوق العبور إلى الممر المائي لا تُعرِّض أيٍ من مصالح العراق الاقتصادية الأساسية للخطر فعلاً. فمن ناحية، لن يؤدي تقاسم جزء أكبر من النهر مع إيران إلى فرض قيود على أيٍ من أنشطة العراق في قطاعها الأكثر أهمية، قطاع إنتاج النفط، وذلك بالنظر إلى أنَّ الغالبية العظمى من النفط العراقي تُشحَن عبر خطوط الأنابيب إلى منشآتٍ واقعة قبالة ميناء الفاو في الخليج. ولن يَضُرَّ كذلك بقدرة العراق على استيراد الشحنات الأخرى، لأنَّ معظم المواد الغذائية والبضائع الأخرى تُشحَن إلى ميناء مدينة أم قصر الساحلية الواقعة على حدود البلاد مع الكويت. في الحقيقة، قد يؤدي تقاسم جزء أكبر من شط العرب في نهاية المطاف إلى التوصُّل إلى صفقات تجارية أكثر فائدة للعراق من خلال إسهام ذلك في ترسيخ النوايا الحسنة مع إيران.

لكن ربما الأهم أنَّ العراق يعي كذلك أنَّه بحاجة للسعي إلى مشروعات تنموية بطول شط العرب للمساعدة في احتواء الاضطرابات التي يؤججها الانفصاليون في البصرة، والتي تُهدِّد قبضة بغداد على ثروة النفط التي تعتمد عليها بشدة. وكي يحدث هذا، يدرك العراق أنَّه بحاجة ليكون على وفاق مع إيران، ولاسيما الشركات الإيرانية.

تهدد كذلك مياه العراق المالحة مزارع الخضراوات والفواكه الغنية في المنطقة. وتسبَّب الجفاف المتواصل في البلاد بجعل إدارة الموارد المائية مهمة أكثر صعوبة بالنسبة للسلطات المحلية والاتحادية، وللتعويض عن قطاعه الزراعي النامي، أصبح العراق أكثر اعتماداً على واردات الغذاء المهمة من إيران، خصوصاً في المناطق القريبة من حدود العراق الجنوبية مثل البصرة. ومع أنَّ العراق اتخذ خطواتٍ نحو مزيدٍ من الاستقلالية الغذائية، لا يزال أمام بغداد طريقٌ طويل تسلكه قبل أن تتمكن حتى من بدء التفكير بشأن تقليص اعتمادها على الواردات الزراعية الإيرانية.

كما أنَّ إنشاء صفحة بيضاء للتعاون في منطقة شط العرب يجعل مساعدة الشركات الإيرانية في تنظيف المجرى المائي الطيني والملوث للغاية عملية أسهل، الأمر الذي قد يُحسِّن المياه المالحة التي تضر حالياً بالإنتاج الزراعي. وبالفعل، كانت أول خطوة ملموسة اتخذتها إيران والعراق منذ إعادة إلزام نفسيهما مجدداً باتفاقية الجزائر هي إنشاء لجنة لتطهير مناطق من الممر المائي عن طريق تكريك أجزاء من القناة وتطوير جزء منها في نهاية المطاف.

الشق السياسي أكثر تعقيداً

لكن بعيداً عن الإمكانات الاقتصادية الأقصر مدى للمجرى المائي، تمثِّل إعادة التأكيد على اتفاقية الجزائر لعام 1975 في عام 2019 بحد ذاتها دليلاً على مستوى التقارب الحالي بين إيران والعراق، والذي قد يفرض آثاراً جيوسياسية طويلة المدى لبغداد.

فمن ناحية، على الأرجح لن يروق للولايات المتحدة تقرُّب العراق من منافستها الرئيسية في المنطقة، وقد يضع ذلك بغداد في موقفٍ أكثر صعوبة، في ظل محاولتها للموازنة بين الضغط المتزايد للعقوبات الأمريكية على إيران وفي الوقت عينه الحفاظ على التواصل مع واحدٍ من أكبر مُزوِّدي بغداد بالمواد الغذائية والسلع المُصنَّعة.

وعلى المدى البعيد، قد يخلق تجديد اتفاقية 1975 أيضاً مشكلاتٍ تعترض علاقة العراق مع جارته الخليجية الأخرى، الكويت. إذ تناقش الكويتيون والعراقيون طويلاً بشأن التطوير المشترك لمنشآت ميناء الفاو، وكذلك الحدود المائية غير المُرسَّمة بين الصديقين في السرَّاء فقط. وقد يثير استعداد العراق للتوافق مع إيران على حدوده البحرية القلق في الكويت والدول الأخرى المعارضة لإيران في الخليج، يُؤجِّجه مستوى الارتياح الجديد الواضح الذي تشعر به بغداد تجاه إيران.

وعلى صعيدٍ أوسع، قد يؤدي توقيع الاتفاقية إلى تسليط الضوء على استعداد العراق للتنازل لإيران سياسياً في قضايا خلافية بُغية تحقيق منفعته الاقتصادية، وبالمثل قد يُسلِّط الضوء على قدرة إيران على الضغط على العراق بسبب اعتماد بغداد على طهران في الدعم الاقتصادي والأمني. ونتيجة لذلك، سيجد العراق أنَّ علاقته الناشئة مع جارته المثيرة للجدل قد تأتي على حساب تعقيد موقف بغداد السياسي الصعب فعلاً مع جيرانها الإقليميين وحلفائها الغربيين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أوكرانيا تلاحق الصحفيين لإخفاء الحقائق