أخبار عاجلة

الصين 'القوّة الصاعدة' تتقدّم.. هل تستمرّ هيمنة الولايات المتّحدة في آسيا؟

الصين 'القوّة الصاعدة' تتقدّم.. هل تستمرّ هيمنة الولايات المتّحدة في آسيا؟
الصين 'القوّة الصاعدة' تتقدّم.. هل تستمرّ هيمنة الولايات المتّحدة في آسيا؟

كشف مراسل الشؤون الدبلوماسية والدفاع في شبكة "بي بي سي" البريطانية، جوناثان ماركوس، أنّ الولايات المتحدة الأميركية فقدت تفوّقها في منطقة المحيط الهادئ، مشيراً إلى أنّه لطالما تحدّث الخبراء عن التحديث العسكري السريع في الصين، ووصفوها بـ"القوة الصاعدة".

إلا أنّ ماركوس، رأى أنّ مثل هذه التحليلات قد تكون قديمة، فالصين لم تعد قوّة صاعدة، إذ أنّها صعدت بالفعل، وأصبحت تتحدى الولايات المتحدة في مجالات عسكرية عديدة.

ويشير ماركوس إلى أنّ هذا ما خلص إليه تقرير جديد أصدره "مركز الدراسات الأميركية" في جامعة "سيدني" الأسترالية، إذ يحذّر من أنّ خطة الدفاع الأميركية في منطقة المحيطَيْن الهادئ والهندي "على شفا أزمة غير مسبوقة"، وأنّ واشنطن قد تعاني في الدفاع عن حلفائها أمام الصين.

وأوضح التقرير أنّ "الولايات المتحدة لم تعد تتمتّع بالتفوّق العسكري في منطقة المحيط الهادئ والهندي"، وأنّ قدرتها على "الاحتفاظ بتوازن القوى لصالحها أصبحت محل شكوك متزايدة".

ويشير التقرير إلى أنّ ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها بكين تهدّد القواعد الأساسية التي تمتلكها الولايات المتحدة وحلفائها، وأنّ مثل هذه القواعد "يمكن اعتبارها بلا فائدة مع بداية الضربات الجوية في الساعات الأولى لأي صراع".

والصين ليست قوّة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة. وثمّة شكوك قوية في أنّ طموحها العسكري قد يصل إلى هذه الدرجة (لكن هذه الفرضية قد تتغير مع توسع الصين البطيء في شبكات الموانئ والقواعد خارج أراضيها)، وفق التقرير، الذي يشير أيضاً إلى أنّه حتى الآن، يعتمد نفوذ الصين الدولي على قوتها الاقتصادية. وتفتقر الصين إلى "الرغبة في الهيمنة"، وهو الإحساس المرتبط بوجود مهمة خارجية، الذي كان وراء سعي الولايات المتحدة للهيمنة العالمية خلال القرن العشرين. كما أنّ الصين، بحسب التقرير نفسه، تفتقر إلى أدوات "القوة الناعمة" كالتي تملكها الولايات المتحدة، والتي تشجع الآخرين على مشاركتها نفس القيم، فلا شيء يضاهي سراويل الجينز الزرقاء، أو "هوليوود"، أو "البرغر".

ويلفت التقرير إلى أنّ الكثير من الشواهد تشير إلى أنّ القوة العسكرية الأميركية ما زالت أكبر من نظيرتها في بكين. فالترسانة النووية الأميركية (وكذلك الروسية) أكبر بكثير من الصين. كما تحتفظ الولايات المتحدة بتفوقها التكنولوجي في مجالات هامة مثل جمع المعلومات المخابراتية، وأنظمة دفاع الصواريخ الباليستية، وأحدث الطائرات الحربية. وتستند على شبكة قوية من العلاقات المتجذرة في آسيا، ومن خلال "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) في أوروبا.

وفي المقابل، يرى التقرير أنّ الصين لا تمتلك مثل هذا النوع من نظام التحالفات، لكنّها تعمل بجدٍّ على سد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة. وما يهم الصين في كل الأحوال هو آسيا، وما تراه بلغة التوسع باحتها الخلفية (امتدادها الاستراتيجي).

وإذا تمّ الأخذ بعين الاعتبار عاملَيْن أساسيَّيْن، هما القرب الجغرافي والتركيز، فإنّ ذلك يعني أنّه في محيط آسيا، الصين بالفعل قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة الأميركية. وعكفت الصين على دراسة القدرات القتالية الأميركية، وتوصلت إلى استراتيجية فعالة لمحاكاة المصادر المعتادة للقوة العسكرية الأميركية، خاصة مجموعة الحاملات المقاتلة القوية التي تمتلكها البحرية الأميركية، والتي تعتبر العامل الرئيسي في قدرة الولايات المتحدة على إظهار القوة.

 

ويُشار إلى هذه الاستراتيجية في المصطلحات العسكرية باسم "منع الوصول والإبعاد عن المساحات"، وتركز الصين بمقتضاها على تطوير مجموعة من المجسّات وأنظمة التسليح التي تأمل أن ترد القوات الأميركية عن العمل قرب أراضيها لأبعد مسافة ممكنة. وكانت هذه الاستراتيجية دفاعية في بداية الأمر، لكنّ المحللين يرون أنّ قدرات الصين في تزايد مستمرّ، ما يمكنها من انتهاز الفرص، والثقة في قدرتها على ردع أي رد فعل أميركي والتعايش معه.

وتشير الدراسة الأسترالية إلى أنّ الأنظمة الصينية المضادّة للتدخّل "تستهين بقدرة الولايات المتحدة على ممارسة القوة في منطقة المحيطَيْن الهادئ والهندي، ما يزيد من خطورة أن تستخدم الصين قوة محدودة لتحقق انتصاراً محدوداً قبل أن تستطيع الولايات المتحدة الردّ، وهو ما يهدّد الضمانات الأمنية الأميركية". وهدف الصين حال حدوث أزمة هو منع القوات الأميركية من الوصول إلى منطقة "سلسلة الجزر الأولى"، وهي منطقة بحر الصين الجنوبي التي يحدها خط يبدأ من جنوب اليابان، مروراً بتايوان وغربي الفلبين، كذلك تسعى لتحجيم الوصول إلى "سلسلة الجزر الثانية" الخارجية، عن طريق الأسلحة التي يمكنها الوصول إلى القواعد الأميركية في جزيرة غوام. ويمكن إنجاز هذه الخطة عن طريق الأسلحة والصواريخ الصينية المتمركزة على الأرض.

ولا تغفل وزارة الدفاع الأميركية مثل هذه الخطة. لكن بعد عقود من خطط الرد على الهجوم، يُعاد الآن تسليح وتشكيل الجيش الأميركي مع تجدد صراع القوى. فأيام الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي في بؤرة هذا الصراع. واليوم، حلت الصين محله.

لكن تقرير جامعة "سيدني" يشكّك في ما إذا كانت واشنطن تولي هذه المهمة ما تستحقه من اهتمام، إذ أنّ "عقلية القوة العظمى التي عفا عليها الزمن ما زالت تسيطر على مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، ومن شأنها تحجيم قدرة واشنطن على الوفاء بالالتزامات الدولية الأخرى، أو القيام بالمواءمات الاستراتيجية المطلوبة للنجاح في منطقة المحيطين الهادئ والهندي". وتضخ الأموال الآن للعمل على الأبحاث وتطوير أسلحة جديدة. لكن المهمة تظلّ هائلة.

ويضيف التقرير أنّ "الولايات المتحدة لديها قوة هائلة لكنّها ليست على ما يكفي من الجاهزية، أو التسلح، أو الاستعداد لسباق قوة كبير". كما حذّر التقرير من أنّ أي تراكم في أولويات التسليح المستمر "من المحتمل أنه سيفوق قدرة ميزانيتها".

ومن الواضح أنّ الصين تشعر بالقوة، وهو ما يمكن ملاحظته في لهجة وثيقة الدفاع البيضاء التي نشرتها مؤخراً.

وقرر الرئيس الصيني شي جين بينغ ألا يقتصر موقفه على مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الحرب التجارية الدائرة، بل اتخاذ موقف أشدّ حزماً سواء بالتعامل مع التظاهرات في هونغ كونغ، أو الموقف التاريخي المتعلق بتايوان.

ومن المستحيل وقف النمو العسكري الصيني الذي يتماشى مع نموها الاقتصادي. لكن بعض الخبراء يخشون أنّ سياسات ترامب زادت من صعوبة الموقف المتأزم أصلا.
ويرى الكثيرون في الولايات المتحدة أنّه حان الوقت لمواجهة الطموح التجاري الصيني، لكن طريقة هذه المواجهة تثير مخاوف الكثير من الخبراء من أن واشنطن ستخسر الحرب التجارية.

ويخلص جوناثان ماركوس في تقريره، إلى أنّ إدارة ترامب غالباً ما تفتقر في سياستها الخارجية إلى منحى استراتيجي واضح، وعرضة للتخبط بسبب حساب الرئيس على "تويتر"، والتشتّت بسبب قضايا سخيفة مثل الرغبة في شراء غرينلاند، أما على النقيض، فإنّ الصين تتمتّع ببوصلة واضحة، ولديها خطّة لتوجهاتها، والوسائل التي تحقق بها أهدافها. ويبدو أنّها - بفضل العزم ووضوح الأهداف - قد وصلت بالفعل.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أوكرانيا تلاحق الصحفيين لإخفاء الحقائق