يبدو أنّ التركيز السعودي ينصب على الشق الاقتصادي اليوم، وهنا تبدو العلاقة واضحة بين امتناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرد على إيران التي حمّلها مسؤولية هجوم "أرامكو" (14 أيلول) وتبدّل الموقف السعودي: خفّضت الهجمات إنتاج النفط بنحو 5,7 مليون برميل يومياً وأدت إلى توقف إنتاج ما يعادل 5% من الإمدادات العالمية. أثار الموقف الأميركي إزاء الهجمات على معملي بقيق، وهو أكبر منشأة في العالم لمعالجة النفط، وخريص المجاور، الذي يضم حقلاً نفطياً شاسعاً، شكوك السعودية حول التزام الحليف الأميركي.
وإلى جانب هجوم "أرامكو الذي سطر "مرحلة جديدة خطيرة" بعد استهداف المنشآت النفطية والمطارات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليسيتية- (بدأت الهجمات الحوثية اعتباراً من أيار العام 2015، حيث أعلن التحالف بقيادة السعودية أن القوات الجوية السعودية اعترضت صواريخ باليستية داخل أراضيها أُطلقت نحو القاعدة الجوية في مدينة خميس مشيط، وقبله أعلن التحالف سقوط صاروخ بمنطقة زراعية في جازان دون أن ينفجر)- يربط محللون بين قرار بن سلمان وإعلان الإمارات، شريكة الرياض الأساسية في التحالف، نيتها تقليص وجودها في اليمن في حزيران الفائت. ومن جهتها، تبدو خطى الإمارات متسارعة، ففي تموز الفائت التقى قائدا حرس الحدود البحرية لكل من الإمارات وإيران لأجل "تعزيز العلاقات الدبلوماسية وتأمين منطقة الخليج الفارسي وبحر عمان".
إذن، شغّلت السعودية محركات التسوية، فعلى هامش مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الفائت، كشف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أنّ بن سلمان طلب منه التحدث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.وينطبق الأمر نفسه على العراق، إذ أكّد المسؤول في مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عباس الحسناوي أنّ الأخير يتوسط بين قيادتي الرياض وطهران ونقل شروط الطرفيْن لإجراء محادثات مع الطرف الآخر.
من جانبها، تبدي إيران، التي ترزح تحت تأثير "حملة الضغوط القصوى" الأميركية، انفتاحاً وتجاوباً. فأكدت الحكومة الإيرانية تلقيها رسائل من الرياض، ورحّب رئيس البرلمان علي لاريجاني وجدد وزير الخارجية محمد جواد ظريف استعداده للجلوس مع الرياض على الطاولة، قائلاً: "سنقابل السعودية بالاحتضان". وأمس، نقل موقع وزارة النفط الإيرانية عن وزير النفط بيجن زنكنه تأكيده أنه التقى نظيره السعودي عبد العزيز بن سلمان على هامش مؤتمر للطاقة عُقد في موسكو قبل أيام. وأضاف الموقع أن زنكنه ذكر بأن لقاءه مع وزير النفط السعودي كان عابراً، مشيراً إلى أن الوزير السعودي صديق له من نحو 22 عاماً. وأوضح الوزير الإيراني أن الخلافات الإيرانية السعودية لا تمنع حدوث لقاء كهذا، لافتاً إلى أن طهران لم تبدأ هذه الخلافات، ومتهماً "أعداء المنطقة من الخارج" بتغذية مثل هذه الصراعات والخلافات.
أمّا بالنسبة إلى الحوثيين، فكانوا قد عرضوا التوقف عن شن هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية إذا فعل التحالف "الشيء نفسه"، وهي خطوة باتجاه ما وصفه زعيم الحوثيين "بالمصالحة الوطنية الشاملة". وفي السياق نفسه، ذكر مصدر عسكري كبير في اليمن مقرب من الحوثيين أن السعودية "فتحت اتصالاً" مع رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط عبر طرف ثالث.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد قالت إنّ الجانبيْن السعودي والإيراني لا يريدان "حرباً واسعة"، إلاّ أنّها استبعدت حصول محادثات مباشرة مع الجانبين، وتعيد السبب في ذلك إلى انعدام الثقة الشديد بينهما وكثرة المسائل التي تفرّقهما: سوريا والعراق ولبنان واليمن ومبيعات الأسلحة السعودية وغيرها...
لا تندرج مصافحة زعيميْن بشكل مباشر ضمن شروط حصول "تسوية" ما، فيمكن أن تتم هذه المصافحة بشكل عرضي، لكن ما تشهده العلاقات السعودية-الإيرانية يتقدّم على المصافحات ويبدو أن ثمة قراراً كبيراً سعودياً اتُخذ لتصفير المشاكل السياسية والأمنية والتحوّل نحو تطوير الاقتصاد بشكل غير مسبوق.