كتب نبيل هيثم في "الجمهورية": لو كنا في بلد طبيعي، لما تردّد البعض في وصف المبادرة الفرنسية، بأنّها تدخّل فاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية، ولقامت الدنيا ولم تقعد في وجه هذا التدخّل. ولكن طالما اننا في بلد غير طبيعي، ووضع غير طبيعي، وفي ظلّ سلطة او بالأحرى سلطات غير طبيعية، وقوى سياسية غير طبيعية في علاقاتها ببعضها، وفي رفضها لبعضها البعض واصرارها على عدم الالتقاء على كلمة سواء، وافتقادها بغالبيتها - حتى لا نظلمها كلّها - للحدّ الأدنى من الانتماء الى هذا البلد، فمن البديهي أمام سقوط البلد من ايدي الجميع، ان نتعلّق بقشّة المبادرة الفرنسية، ومن الواجب الإقرار بأنّ من حسن حظ بلدنا أنّ يتدبّر الخارج أمره، ويرسم له ما يعتبرها طريق الخروج من رمال الكوارث المتحركة التي تبتلعه.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فاجأ معارضي السلطة بمبادرته، وشبّهه أحدهم بذلك الوالد الذي شكا له جاره اقدام ابنه على سرقة دراجة ابن جاره، فاحتدّ الوالد، ورعد بصوت أرعب جاره، وانتفض في وجه ابنه ونادى عليه قائلا: "تفو عليك، ليش سرقتها يا حبيب قلبي، ولَوْ يا تقبرني، هيك زعّلت جارنا، معليش خليك إلعب فيها بس انتبه ما توقع عنها، وبس تخلص تعا عالبيت". ولم يقل له رجّع "البيسكلات" لصاحبها. فماكرون جلد السلطة الحاكمة وأنّبها، وجرّح بها، وشهّر بفسادها، لكنّه بعد كل ذلك عاد ليسلّمها زمام الأمور من جديد، ويوكل اليها مجتمعة، مهمّة التغيير والانقاذ.
وبقدر ما كانت مفاجأة هؤلاء المعارضين كبيرة من ماكرون، بل، كانت مفاجأتهم بقدر أكبر من "الصديق الاميركي" الذي أبلغهم صراحة بأنّ المبادرة الفرنسية منسّقة مع الولايات المتحدة الاميركية.
اكثر من ذلك، فإنّ مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد شينكر، فاجأ من التقى بهم بأنّه كان كمن يرتدي قفازات ملاكمة، وسدّد اليهم لكمات موجعة بانتقاداته المباشرة لحراك لم يتمكن من التوحّد حول برنامج، ولا أن يُحدث تغييراً منذ تشرين الى اليوم، ولا أن يكون بديلاً عن السلطة، وصولاً الى الضربة القاضية التي وجّهها الى مطلب اجراء الانتخابات النيابية المبكّرة. وتبعاً لذلك سارع بعض الحراك الى الاعلان عن خروجه من الشارع!