ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران **الياس عودة** خدمة القداس الإلهي في **كاتدرائية القديس جاورجيوس**، وألقى بعد قراءة الإنجيل عظة قال فيها إن أحد النسبة، كما تسميه الكنيسة، يقدّم بداية إنجيل متى التي قد تبدو سردا تاريخيا للأسماء والأجيال، لكنها في جوهرها إعلان لاهوتي عميق يبيّن أن الله دخل تاريخ البشر من داخله لا من خارجه، واختار أن يخلّص الإنسان عبر نسيجه العائلي والإنساني بكل ما يحمله من نور وظلمة وأمانة وخيانة وقداسة وسقوط، مؤكدا أن هذا النسب هو شهادة على أمانة الله عبر الزمن، إذ لا يقفز فوق التاريخ بل يرافقه ويحوّله إلى طريق خلاص
وأوضح أن سلسلة الأسماء التي يوردها متى تعكس تاريخا يشبه تاريخ البشر، غير نقي وغير مستقيم لكنه مفتوح دوما على الرجاء، لافتا إلى أن الإنجيلي يبدأ بإبراهيم لأن به وُضع أساس الإيمان، ومذكّرا بما تشرحه رسالة العبرانيين عن إيمان إبراهيم الذي عاش غريبا منتظرا المدينة التي الله صانعها وبانيها، ليعلّم أن النسب الحقيقي لا يقاس بالدم فقط بل بالإيمان، ومن إبراهيم ينتقل الوعد إلى داود الذي دُعي ملكا لا لأنه بلا خطيئة بل لأنه عرف التوبة الصادقة ورحمة الله الواسعة، فصار مثال الخاطئ التائب، مشددا على أن الله لا يرفض الإنسان بسبب ضعفه بل بسبب كبريائه
وشدد على أن النسب يحمل تعليما جوهريا مفاده أن تاريخ الإنسان، مهما كان مثقلا بالجراح والخطايا، يمكن أن يصير موضع عمل الله إذا انفتح القلب بالتواضع والإيمان والعودة الصادقة، متوقفا عند مرحلة السبي البابلي كزمن انكسار وفقدان للهوية، ليؤكد أن الله لم يقطع خيط الخلاص في زمن الفشل الجماعي بل واصل عمله في صمت، معتبرا أن إنسان اليوم الذي يعيش سبي القلق والخوف والاغتراب والتهجير القسري مدعو لأن يرى في هذا النسب رجاء حيا لأن الله لا يغيب في زمن الظلمة بل يهيئ لولادة جديدة
وأشار إلى أن يوسف يمثّل صورة الإنسان المؤمن في زمن اللبس، إذ آمن لأنه وثق بالله لا لأنه فهم كل شيء، رابطا ذلك بما تذكره الرسالة عن أناس عاشوا الإيمان في النصر والألم ولم ينالوا الموعد في حياتهم، ومعتبرا أن عذر من عرف بشرى الخلاص أقل من عذر من سبقوه، ومتوقفا بخشوع أمام مريم العذراء التي فيها تحقق الوعد في ملء الزمان، حيث حملت المخلص نفسه لا مجرد الرجاء، مؤكدا أن النسب يبلغ كماله لا بالقوة بل بالإتضاع والطاعة لمشيئة الله، وأن المسيح هو الكمال الذي به يكتمل التاريخ ويفتح المستقبل، فنحن شركاء في إيمان الذين سبقونا وورثة رجائهم وأبناء الله بالنعمة



