وفي هذه الحال يجد رئيس الحكومة نفسه ملزمًا بتطبيق ما سبق أن طلبه من الادارات الرسمية كافة وكل الهيئات الرقابية تنفيذ المبادىء والنصوص القانونية التي نصّ عليها قانون الموظفين وترتيب النتائج القانونية على انواعها بحق المخالفين، مما يعني أن المواجهة باتت مفتوحة بين الموظفين ودولتهم، في ما يشبه التحدّي، الأمر الذي يدخل القطاع العام في حال شلل دائم، مع العلم أن تحرّك الموظفين يدخل في إطار ما يكفله الدستور لجميع اللبنانيين بحقّ التعبير عن حرية الرأي، إذ أنه لم يحدّد الفئات التي يحق لها ممارسة هذا المبدأ.
وبغض النظر عن صوابية المذكرة التي اصدرها الرئيس الحريري، والذي استند فيها غلى مادتين في قانون الموظفين، وعن حق الموظف في أن يعبّر عما يقلقه وعن هواجسه ومخاوفه، فإن وضع الحكومة، التي لا تزال تسعى، وبعد 14 جلسة خصصت فقط لدرس أرقام الموازنة، لا تحسد عليه، وهي ترى نفسها موضوعة أمام شاقوفين: إما إجراءات موجعة، ولكن مرحلية وظرفية، وإما الذهاب إلى الإفلاس الحتمي، مع ما لكل من هذين الخيارين، اللذين أحلاهما مرّ، من تداعيات سلبية، إذ أنه من الصعب عليها تبرير ما يمكن أن تلجأ إليه من تدابير تطاول مرتبات ومكتسبات الفئات الوظيفية التي تلامس خط الفقر، من دون أن تتمكّن من تخفيف العجز الحاصل في الموازنة من خلال زيادة المداخيل، التي باتت معروفة لدى الداني والقاصي، ولدى أهل الإختصاص كما لدى عامة الشعب، وهي تتلخص بعناوينها العريضة بضبط التهرّب الضريبي والتهريب الحاصل على الحدود الشرعية وغير الشرعية وتطبيق المراسيم المتعلقة بالأملاك البحرية ووقف الهدر في قطاع إنتاج الكهرباء وإلغاء الجمعيات الوهمية والمكاتب غير المجدية وفرض ضريبة تصاعدية.
لم يكتفِ الموظفون بالإضراب – التحدّي بالأمس، بل ذهبوا إلى التصعيد المفتوح، بالتوازي مع تحرك العسكريين المتقاعدين، الذين نصبوا خيمة دائمة في رياض الصلح، الأمر الذي ينذر بأن الأيام الآتية لن تجعل الحكومة تنام على حرير "سيدر" طويلًا.