أخبار عاجلة

لماذا نحب الإنسان الواضح؟

لماذا نحب الإنسان الواضح؟
لماذا نحب الإنسان الواضح؟

كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب.

بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه: "لماذا نحب الإنسان الواضح؟"

لماذا نحب الإنسان الواضح

الإنسان الواضح كالكتاب المفتوح، كالشمس المشرقة، كالربيع الأخضر..

الإنسان الواضح نقي في سريرته، صادق في نواياه فطري في سلوكه.

الإنسان الذي يكشف لنا مشاعره بصدق، هذا الإنسان وحده قادر على إقامة جسر عاطفي، وخلق اتصال روحي. من منا لا يرتاح لهذا النوع من الإنسان ولهذا الطراز من البشر الذي يقف أمامنا عارياً، متحرراً من كل زيف، متمرداً على كل شكل من أشكال التصنع.

من منا لا يرتاح لإنسان يعلن لنا عن فرحه، ويشاركنا في أحزانه، يكشف لنا عن ضعفه، ويظهر مواطن قوته؟

من منا لا يرتاح ويطمئن لوجود شخص قادر على الاعتراف بمشاعره وجريء في إعلان عواطفه. أليس هذا الإنسان يؤكد لنا أنه بشر حقيقي؟؟

من منا لا يحترم مثل هذا الإنسان الذي إذا حزن عبر عن حزنه بالبكاء، وإذا فرح ضحك، وإذا أحب بصدق أعلن عن حبه؟

أليس الحب أحلاه جهاراً، وأمرّه إسراراً؟ وذا كره هذا الإنسان الواضح، أفصح عن كرهه.

مثل هذا النموذج من الإنسان يدخل القلوب بدون استئذان، بل يتسرب إلى النفوس التي تجد صداها فيه.. مثل هذا الإنسان من شأنه أن يحفر في النفوس خطوطاً عميقة، ويترك عليها بصمات كبيرة.

مثل هذا الإنسان عندما ألتقيه، أضعف أمامه، وأتفاعل معه، وأتفانى فيه وأناضل لأجله، وأدافع عنه، لأني أجد فيه صورتي، وألمس من خلاله أحلامي، وأحقق به أمنياتي، إني أحبه لأنه صادق، نقي، حقيقي، يعكس ما في نفوسنا بل - أستغفر الله - ما في نفوس البعض، أو الكثيرين - والله أعلم - كما يقول ابن خلدون وقد نشعر أحياناً بالخوف والشك نحو هذا الإنسان، وقد نتأذى أحياناً من حقيقته الجارحة، وصراحته القاسية، ولكن شفاعتنا أنه صادق مع نفسه، وعزاؤنا أنه منسجم مع حقيقة سلوكه الذي من شأنه أن يبدد الشكوك، ويسحق الخوف من نفوسنا.

وقد تجذبنا عادة الشخصيات ذات الملامح الغامضة، وتثير فينا نوعاً من الفضول، يدفعنا لاكتشاف ما يخبئه الغموض وراء هذه الشخصية، ولكن في أعماقنا نشعر أن شيئاً ما يمنعنا من الاطمئنان لهذا النوع من الشخصية الغامضة، ويحول بيننا وبين الارتباط به عاطفياً أو تجارياً أو فكرياً لأننا نبغض الغموض، ونرفض الإبهام، ونميل في فطرتنا إلى الوضوح.

فالشخصية الواضحة هي التي لا تتردد في كشف إنسانيتها في كل مناسبة، لأن عالمها الداخلي مشرق، يسكن فيه الإنسان وحوله الخضرة.

عندما يتعلق الإنسان بالشخصية الواضحة، ويطمئن إليها ويصادقها، ويتعاطف معها، ويخلص لها، إنما يكون في الواقع مخلصاً لذاته، صادقاً مع نفسه، منسجماً مع تطلعاته في الحياة.

إن اتصال الأرواح الصادقة بعضها ببعض لا يتحقق إلا عبر نفوس متعارفة، وقلوب متقاربة، وأفكار متجانسة.

صدق الحديث القائل (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟