وعليه، فإن ولادة الحكومة لن تكون قريبة، على عكس الأجواء التي سادت قبل نهاية السنة المنصرمة، وذلك لأسباب عدّة، قد يكون أهمها وأصعبها عقدتا وزارتي الخارجية والداخلية، إذ تبّين أن الوزير باسيل يتمسّك بأن تكون حقيبة الخارجية من ضمن حصّته، وفي حال إصرار الرئيس المكّلف على إسناد هذه الحقيبة إلى قطار فإن حقيبة الداخلية تؤول طبيعيًا وحتمًا إلى "التيار الوطني الحر"، وهذا ما لا يقبل به دياب، الذي تبّين للذين يحاورونه ويفاوضونه أنه صعب المراس، على رغم محاولة باسيل، من أجل فرض مرشحه للخارجية، الإستعانة برفض "حزب الله" لتسمية قطار وزيرًا للخارجية، مع أن السبب المباشر يكمن في مكان آخر، وفق ما تقوله بعض الأوساط المطلعة.
فالوزير السابق دميانوس قطار، الذي تجمعه بالرئيس المكّلف صداقة قديمة، ثبت يوم تولى وزارة المالية أنه يعرف ماذا يريد ويملك "كاريزما" مميزة في مخاطبة الجماهير، ويستطيع محاورة الجميع باسلوب مرن وسلس، ولديه قوة الإقناع بحجج علمية ومنطقية، الأمر الذي يؤهله لتولي أعلى المناصب.
ولأن الوزير باسيل يعرف تمام المعرفة إمكانات الرجل وما يمكن أن يقوم به من خلال وزارة الخارجية وتعاطيه مع الخارج بدبلوماسية تنسجم وطبيعته الهادئة ومقارباته الموضوعية، فإن هذا الأمر يجعل منه متقدّما على غيره من الوزراء، خصوصًا أن معركة رئاسة الجمهورية لم تعد بعيدة.
فـ"حزب الله" لم تكن لديه مشكلة مع إسناد حقيبة الخارجية إلى قطار قبل دخول باسيل على الخط، وهو حاول تصوير الأمر على غير حقيقته، لأنه يدرك أن وجود شخص كقطار على رأس الدبلوماسية اللبنانية من شأنه أن يخسره أهمّ ورقة في طريقه غير المعبّد إلى بعبدا بعد ثلاث سنوات من الآن. أما إذا استطاع أن يضمن توزير أحد من المقربين به في وزارة الخارجية فأن بصماته ستبقى حاضرة، خصوصًا إذا لم يكن الوزير الجديد ليشكّل أي منافسة له، من خلال إطلالاته على العالم الخارجي ورسم علاقات وطيدة مع مفاتيح مهمة في عواصم القرار الدولي.
إلاّ أن هذا كله يعتبره مقرّبون من باسيل من نسيج الخيال، لأن ما يهمه في الوقت الحاضر أن تتمكّن الحكومة العتيدة، من خلال خطة عمل واضحة المعالم، أن تجد الحلول الناجعة والسريعة لإنتشال البلاد من أزماتها المالية والإقتصادية الشديدة الخطورة.